على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «١»، وعيسى بن عمر «٢» :«إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ «٣» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران»، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: ١٦٢]، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ [الحج: ١٧].
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: والصابرون فى البأساء والضراء [البقرة: ١٧٧] ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجاج «٤» وكّل عاصما «٥» وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما.
خبّرني بذلك أبو حاتم «٦» عن الأصمعي «٧» قال: وفي ذلك يقول الشاعر:

(١) أبو عمرو بن العلاء: هو زبان بن العلاء بن عمار بن الريان المازني البصري، تقدمت ترجمته قبل قليل.
(٢) عيسى بن عمر: هو أبو عمرو عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري، مولى خالد بن الوليد، توفي سنة ١٤٩ هـ، صنّف «الإكمال في النحو»، «جامع في النحو». (كشف الظنون ٥/ ٨٠٥).
(٣) عاصم الجحدري: هو عاصم بن أبي الصباح، أبو المجشر الجحدري، البصري، المقرئ المفسر، قرأ على الحسن البصري، توفي سنة ١٢٨. (لسان الميزان ٣/ ٢٢٠).
(٤) الحجاج: هو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن قيس الثقفي، ولّاه عبد الملك بن مروان العراق، وكان له في القتل وسفك الدماء غرائب لم يسمع بمثلها، بنى مدينة واسط، وتوفي سنة ٩٥ هـ. (انظر أخباره في مروج الذهب ٣/ ١٥١- ١٩١، والكامل في اللغة ١/ ١٥٨، ٢٢٤، ٢/ ٢٦٢، ٢٦٨، ٢٨٨، ووفيات الأعيان ٣/ ٢٩- ٥٤، والأعلام ٢/ ١٦٨).
(٥) عاصم: هو عاصم الجحدري. تقدمت ترجمته.
(٦) أبو حاتم: هو أبو حاتم السجستاني البصري. سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشمي الإمام.
توفي سنة ٢٥٠ هـ. وقيل: سنة ٢٤٨ هـ، له العديد من التصانيف، منها: «إعراب القرآن»، «كتاب الإدغام»، «كتاب الأضداد» في اللغة، «كتاب الفصاحة»، «كتاب القراءات»، «كتاب المذكر والمؤنث»، «كتاب المقصور والممدود»، «ما يلحن به العامة» وغيرها الكثير (كشف الظنون ٥/ ٤١١). [.....]
(٧) الأصمعي: هو عبد الملك بن قريب (بالتصغير) ابن عبد الملك بن علي بن أصمع الأصمعي


الصفحة التالية
Icon