روى عبد الرزّاق «١» عن معمر «٢»، عن قتادة «٣» : أن رجلا جاء إلى عكرمة «٤» فقال: أرأيت قول الله تعالى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وقوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فقال: إنها مواقف، فأما موقف منها: فتكلموا واختصموا، ثم ختم الله على أفواههم فتكلّمت أيديهم وأرجلهم، فحينئذ لا يتكلمون.
وقوله: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) [الطور: ٢٥]، وهو يقول في موضع آخر: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ [المؤمنون: ١٠١]، فإنه إذا نفخ في الصور نفخة واحدة، تقطّعت الأرحام، وبطلت الأنساب، وشغلوا بأنفسهم عن التّسآل وفَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: ٦٨]. فإذا نفخ فيه أخرى: قاموا ينظرون وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) [الصافات: ٢٧] وقالوا: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس: ٥٢]. وهو معنى قول ابن عباس.
وقوله: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) [فصلت: ٩، ١١] فدلّت هذه الآيات على أنه خلق الأرض قبل السماء.
وقال في موضع آخر: أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [النازعات: ٢٧، ٣٠].
فدلّت هذه الآية على أنه خلق السماء قبل الأرض.
وليس على كتاب الله تحريف الجاهلين، وغلط المتأوّلين. وإنما كان يجد الطاعن

(١) عبد الرزاق: هو أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم الصغاني، المحدث اليمني، من رواة البخاري، ولد سنة ١٢٠ هـ، وتوفي سنة ٢١١ هـ، من تصانيفه: «تزكية الأرواح عن مواقع الفلاح»، «تفسير القرآن»، «الجامع الكبير في الحديث»، «كتاب السنن في الفقه»، «كتاب المغازي». (كشف الظنون ٥/ ٥٦٦).
(٢) معمر: هو معمر بن المثنى، أبو عبيدة، تقدمت ترجمته.
(٣) قتادة: هو قتادة بن دعامة بن عرنين (بفتح العين وتشديد الراء) بن عمرو بن ربيعة السدوسي، أبو الخطاب البصري التابعي، ولد سنة ٦٠ هـ، وتوفي سنة ١١٧ هـ. صنّف «تفسير القرآن». (كشف الظنون ٥/ ٨٣٤).
(٤) عكرمة: هو الحافظ أبو عبد الله، عكرمة بن عبد الله، بربري الأصل، مولى ابن عباس، من كبار التابعين توفي سنة ١٠٥ هـ، له «تفسير القرآن». (كشف الظنون ٥/ ٦٦٦).


الصفحة التالية
Icon