في أشباه لهذا كثيرة.
وأنكروا مع هذا (السّحر) إلا من جهة الحيلة.
وقالوا: منه رقاة التّميمة يفرّق بها بين المرء وزوجه، والكذب تصرف به القلوب عن المحبة إلى البغضة، وعن البغضة إلى المحبة.
وقالوا: منه السّموم يسحر بها فتقطع عن النساء، وتحتّ الشّعر وتغيّر الخلق.
والله تعالى يقول: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥) [الفلق: ٤، ٥] فأعلمنا أنهن ينفثن- والنّفث كالتّفل- كما ينفث الرّاقي في عقد يعقدها.
قال الشاعر «١» :
يعقّد سحر البابليين طرفها | مرارا ويسقينا سلافا من الخمر |
وقد سحر رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وجعل سحره في بئر ذي أروان، واستخرجه (عليّ) منها، وجعل يحلّه عقدة عقدة، فكلما حل عقدة وجد النبي، صلّى الله عليه وسلّم راحة وخفّا، فلما فرغ من حلّه قام النبي، صلّى الله عليه وسلّم، كأنما أنشط من عقال «٢».
وقال الله تعالى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة: ١٠٢].
أفتراهما كانا يعلّمان التّمائم، والكذب وسقي السّموم؟!.
وبمثل هذا النظر أنكروا عذاب القبر، ومساءلة الملكين، وحياة الشهداء عند ربهم يرزقون، وأنكروا إصابة العين ونفع الرّقي والعوذ، وعزيف الجنان، وتخبّط الشيطان، وتعوّل الغيلان.
فلما رأوا تواطؤ العرب على ذلك، وإكثار الشعراء فيه، كقول: ذي الرّمة «٣» :
(١) البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ملحق ديوانه ص ١٨٧٧، وأساس البلاغة (عقد)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٤/ ٨٩.
(٢) انظر الحديث عند البخاري في الطب باب ٣٩، وأبو داود في الطب باب ١٩.
(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص ٢٩٦، ولسان العرب (ادلهم)، والحيوان ٦/ ٢٤٨.
(٢) انظر الحديث عند البخاري في الطب باب ٣٩، وأبو داود في الطب باب ١٩.
(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص ٢٩٦، ولسان العرب (ادلهم)، والحيوان ٦/ ٢٤٨.