ومن الجدير بالذكر والتنبيه في هذه المناسبة أن كثيرا مما يأتي مطلقا في آيات من أمثال هذه الآية ومما له صلة بكسب الإنسان واختياره ومصيره وثوابه وعقابه يأتي في آيات أخرى مقيدا وموضحا، فيزول بذلك الوهم واللبس اللذان قد ينشآن عن الإطلاق، ويتجلى الانسجام التام بين التقريرات القرآنية. وهذا فضلا عن أن في القرآن تقريرات ومبادئ محكمة هي بمثابة القول الفصل الذي يجب أن يعول عليه في ما يبدو من إشكالات أو مباينات في عبارة بعض الآيات وسبكها وسياقها.
وكثير من الذين يتشادون حول بعض الآيات القرآنية أو يتحيرون أمام ما يرونه في ظاهره إشكالات ومباينات يغفلون عن ذلك. فالحق الواجب هو اعتبار القرآن كلا، يفسر بعضه بعضا في كثير من الموضوعات والألفاظ والتراكيب والمعاني والسياق والمبادئ والاستعانة على تأويل ما يبدو فيه إشكال بسبب إطلاقه وأسلوبه وسياقه وعبارته بالآيات الأخرى التي فيها تقييد أو التي جاءت بأسلوب أو في سياق أوضح وأظهر أو بالمبادىء المحكمة التي هي القول الفصل. وحينئذ لا يبقى كثير مما كان من أسباب الخلاف والتشاد حول النصوص القرآنية، وسنزيد هذا توضيحا في المناسبات الآتية.
تعليق على عبارة فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
وجملة وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ في الآية [٣١] تفيد أن الذين كانوا يقفون من النبي صلّى الله عليه وسلّم موقف العناد والتكذيب والتشكيك فريقان: مرضى قلوب وكفار. ولا بد من أن يكون بينهما فرق. وقد قال بعض المفسرين «١» إن في هذا تلميحا للمنافقين الذين ظهروا فيما بعد في المدينة بعد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إليها. وفي هذا القول تكلف ظاهر فيما يتبادر لنا. فالآيات مكية وتحكي مواقف وصورا مكية. ولقد حكت آيات قرآنية مكية مواقف لفريقين كانوا في مكة: فريق كان يكذب النبي في دعواه بكل شدة ويقف موقف العناد والمكابرة والصدّ والأذى

(١) انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري.


الصفحة التالية
Icon