بدون هوادة، وفريق لم يكن في هذه الشدة، وإنما كان مترددا متشككا يقنع نفسه بالأعذار الواهية أو يخجل من الناس أو الزعماء أو يخشى شرهم، بينما كان في قرارة نفسه يعترف بصدق ما كان يخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عليه من أخلاق عظيمة وعقل راجح، مما ينطوي في آية الأنعام هذه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)، وفي آية القصص هذه: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وغيرهما مما سوف ننبه إليه في المناسبات الآتية «١» فالمتبادر أن الفريق الأول هو الذي نعتته الآية بالكافر وأن الفريق الثاني هو الذي نعتته بمريض القلب. وفي ذلك صورة من صور العهد المكي.
تعليق على موضوع الملائكة
وبمناسبة ورود ذكر الملائكة لأول مرة نقول: إن ذكرهم قد تكرر في القرآن كثيرا وفي مواضع ومناسبات متنوعة. وأكثر المفسرين على أن الاسم مشتق من الألوكة بمعنى الرسالة وأن الكلمة تعني الرسل «٢» وفي سورة فاطر آية يمكن أن يستأنس بها على صحة هذا القول بقوة وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [١]، وهناك آيات أخرى مؤيدة لذلك مثل آية سورة النحل هذه: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [٢]. وبعض الباحثين يرجعون الكلمة إلى أصل عبراني ويقولون إنها دخيلة بلفظها ومعناها على اللغة العربية، ويمكن أن يورد على هذا أن العبرانية والعربية من أصل واحد والتشارك بين اللغتين في الأسماء والأفعال

(١) انظر كتابنا «سيرة الرسول عليه السلام» ج ١ ص ١٩٠ وما بعدها.
(٢) انظر تفسير آية وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [٣٠] من سورة البقرة في تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon