النحو الذي سلكتموه، أمّا وإن الغرض للمفسر والقارئ معا غير هذا، فلا مانع من سلوكه إطلاقا.
ويستأنس لسواغية هذه الطريقة بما سلكه أجلّة من علماء الأمة المشهود لهم بالإمامة والقدوة من المتقدمين في تآليفهم، ولم يعلم أن أحدا أنكر عليهم ما صنعوا، ويحضرني منهم الآن الإمام ابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ من الهجرة، فقد مشى في تفسير ما فسره في كتابه المطبوع «تأويل مشكل القرآن» على غير ترتيب النزول وعلى غير الترتيب المتلو الآن، ويبدو هذا جليا فيه ب ص ٢٤٠- ٣٣٩، ولا أشك أن هناك غيره من شاركه في هذه الطريقة من علماء عصره وما بعده، ممن لا يسعني الآن البحث عنهم، لضيق الوقت لديّ.
على أن القول بالمنع تبعا لهذه النظرة الضيقة ينبغي أن يشمل ما سلكه الشيخ جلال الدين المحلّي ثم جلال الدين السيوطي في تفسيرهما المعروف بتفسير الجلالين، إذ قد بدأ الأول بالتفسير من آخر القرآن الكريم وهو صاعدا إلى سورة الكهف، ثم مات فأتم الجلال السيوطي من حيث وقف سلفه إلى أول القرآن الكريم، فهما لم يراعيا في مسلكهما هذا: البدء على ترتيب القرآن من أوله إلى آخره. وكذلك ينبغي أن يشمل ما صنعه الشيخ عبد الوهاب النجار في كتابه «قصص الأنبياء» والشيخ محمد أحمد العدوي في كتابه «دعوة الرسل إلى الله»، فهما أيضا لم يراعيا في مواضيع كتابيهما ترتيب القرآن المتلو اليوم، بل راعيا اعتبارا آخر، وكذلك ينبغي أن يتناول المنع كتابكم «الدستور القرآني في شؤون الحياة»، فقد سلكتم فيه نحو طريقتكم في التفسير من جمع طائفة من الآيات الكريمة في صعيد واحد، ثم تفسيرها وبيان ما تلهمه من المعاني الكريمة، فهل يصح أن يقال: إنكم مع من ذكرنا قد خالفتم ترتيب كتاب الله تعالى، وجافيتم الحق المشروع؟
فإن قيل: هناك فارق بين صنيعكم هناك في «الدستور» وصنيعكم هنا في «التفسير»، فإن الأول يمكن أن يجعل من باب التأليف على اعتبار وحدة الموضوع