وهذا طور من أطوار العقائد البشرية ما تزال آثاره قائمة إلى اليوم في أوساط تعدّ متحضرة وأصول ديانتها توحيدية علوية حيث يتخذ بعض المسلمين والنصارى واليهود فضلا عن غيرهم من أبناء الأديان الأخرى لكل مطلب وليا أو قديسا يتوسلون بهم أو عند قبورهم في مطالبهم برغم ما في ذلك من انحراف عن أصل العقيدة عند أصحاب الديانات التوحيدية السماوية.
ولقد قلنا إن المفسرين قالوا إن العزى هي تأنيث الأعز أو العزيز. ولقد قرئ اسم «عزيزو» في نقوش تدمرية تعود إلى ما قبل البعثة بعدة قرون كمعبود من المعبودات. وقد ذكر في بعض المؤلفات السريانية القديمة المؤلفة قبل البعثة اسم «العزى» كمعبود لأهل الحيرة له صنم كانوا يقدمون إليه قرابين من البشر.
حيث يصح أن يقال في هذا المعبود ما قلناه في المعبودين السابقين سواء من حيث احتفاظه باسمه ومكانته وتطور صيغته ورمزيته. ويبدو من صيغته أنه أكثر من الأولين انسجاما مع صيغ الفصحى ليكون رمزا على بنت من بنات الله سبحانه وتعالى.
وأسلوب الآيات التي تجعل صلة بين هذه المعبودات الثلاثة وبين الملائكة وتسمية الملائكة بتسميات الأنثى هو أسلوب تنديدي فيه تنبيه لعقول العرب على عقائدهم الباطلة. والأسئلة الاستنكارية التي جاءت فيها هي من قبيل المساجلة والسخرية من قولهم وعقيدتهم. فقد كانوا يكرهون ولادة البنات ويتمنون لأنفسهم الذكور ويعتبرون ولادتهم علامة امتياز وفضل. فكأنما أريد أن يقال لهم إنكم تزدادون ضلالا وسخفا بنسبتكم البنات لله وأنتم تفضلون الذكور حيث إن من المعقول أن يتخذ الله ولدا من الجنس المفضل. إذا كان لا بد من أن يكون له ولد.
وقد جاء هذا صريحا في آية سورة الزمر هذه: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤)، وفي آيات سورة الزخرف هذه: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ