الأمر. عزمت عليكم، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه» «١».
والذي يتبادر لنا من ناحية الآية بذاتها ومن روحها وروح السياق أنها في صدد الإيذان بأن الله قد خلق كل شيء بحساب مقدّر بما اقتضت حكمته أن يكون عليه أو خلق كل شيء على قدر معلوم ووضع محدد أو على الشكل الموافق له.
وفي سورة السجدة آية فيها تعبير قوي عن ذلك وهي: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ... [٧] وقد قال هذا غير واحد من المفسرين عزوا إلى ابن عباس وغيره من علماء الصحابة والتابعين «٢».
ومن ناحية موضوع القدر بمعنى أن كل شيء وعمل من أحداث الدنيا وأعمال الناس مقدرة في الأزل محتومة الوقوع فهو من المسائل الخلافية الكلامية التي نشبت بين علماء المسلمين في صدر الإسلام وتشعبت في زمن الدولتين الأموية والعباسية وقام فرق عديدة يناقض بعضها بعضا في الأمر. وأكثر ما كان من ذلك هو في صدد أفعال الناس ومكتسباتهم حيث أنكر بعضهم أن تكون محتومة مقدرة من الأزل وأثبت بعضهم ذلك وتوسط بعضهم فجعل للإرادة الجزئية التي أودعها الله في الناس أثرا في أفعال الناس ومكتسباتهم. واجتهد كل فريق في تأييد قوله بآيات وأحاديث ومبادئ من المنطق مما لا يحتمل منهج الكتاب التبسّط فيه.
ونحن نرجّح أنه كان لما وقع في صدر الإسلام من الفتن والحروب التي بدأت في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه وامتدّت إلى خلافة علي رضي الله عنه ثم استمرت طيلة الدولة الأموية وشطرا من الدولة العباسية أثر كبير في ذلك. ولقد كان هناك تياران متعارضان تيار يحمل مسؤولية ما كان على القائمين بالأمر ويسعى إلى التغيير على اعتبار أن ذلك من كسبهم. وتيار يعطف ما كان على قدر الله المحتوم ويسعى إلى التهدئة. وكان من التيار الأول الهاشميون وشيعتهم والخوارج والمعتزلة ومن التيار الثاني الأمويون وأنصارهم وكثير من علماء التابعين وأهل السنّة.

(١) التاج ج ٤ ص ٢٢٣.
(٢) انظر الخازن والطبرسي والزمخشري والطبري.


الصفحة التالية
Icon