السورة السابقة وهذه السورة قد يحتوي قرينة على صحة ترتيب نزول هذه السورة عقب تلك. ولقد تكررت هذه الإشارات في مواضع أخرى من القرآن بأسلوب يسوغ الترجيح أنها إنما جاءت في صدد توكيد هذا المعنى الذي نقرره على ما سوف نشرحه في مناسباتها.
كذلك يمكن القول إن هذه الإشارات والتقريرات تحتوي هدفا إيجابيا بالنسبة للنبي ﷺ والمسلمين من جهة والكفار من جهة أخرى. فمن الجهة الأولى فيها تسلية بأن الملائكة وبعض طوائف الجنّ يقفون وإياهم في موقف واحد من الإيمان بالله ورسالته والإخلاص له وإدراك حقيقة ربوبيته وشمولها ووحدتها والسير في طريق الحق والسداد. ومن الجهة الثانية فيها ترغيب وترهيب للكفار حيث تقصّ عليهم هذه القصص ليكون لهم عبرة ومزدجر، وليقتدوا بهذين الخلقين العظيمين اللذين يشغلان في نفوسهم ذلك الحيز الكبير.
وهذا قد يقوي وجوب الوقوف في ذاتية الموضوع عند الحدّ الذي وقف عنده القرآن والثابت من الأحاديث النبوية بدون تزيّد وتوسّع لا طائل من ورائهما مع اليقين بأن ما ورد فيهما إنما ورد لحكمة متصلة بأهداف الدعوة الإسلامية والرسالة النبوية من مثل ما ذكرناه. والله أعلم.
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ١٦ الى ٢٧]
وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠)
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥)
عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧)