وقد سرى عنه في الآية الثانية وأمر بالصفح والإغضاء عنهم وإعلان السلام للناس وتركهم وشأنهم فسيعلمون من هو على الحق ومن هو على الضلال.
والصلة قائمة بين الآيتين وما سبقهما من حيث إن الكفار المشركين هم موضوع الكلام فيهما وقد جاءتا خاتمة قوية لموقف اللجاج والحجاج وللسورة معا جريا على النظم القرآني.
وقد انطوى في الجملة الأخيرة من الآية الثانية تطمين للنبي ﷺ وبثّ الوثوق والاستعلاء في نفسه. والأمر بالصفح عنهم وإعلان السلام للناس ينطويان على التوكيد بأسلوب رائع محبب بأن مهمة النبي ﷺ هي الدعوة إلى الله ومكارم الأخلاق ثم ترك الناس وشأنهم يختارون ما يريدون دون ما إجبار ولا إبرام ولا عداء ولا حقد مع تقرير هذا له ولمن آمن به، ومع الاطمئنان إلى أن ما يدعو إليه هو الحق والهدى، وأن ذلك سوف يظهر للناس مما قد تكرر تقريره في القرآن كثيرا وبأساليب متنوعة. ولقد ظهر ذلك حقا وتحققت المعجزة القرآنية بدخول الناس في دين الله أفواجا وفيهم غالبية أهل مكة الذين كانوا يقفون المواقف العنيدة المناوئة التي حكتها الآيات والتي كانت تثير في النبي ﷺ الحزن والألم والحسرة.
ولقد روى المفسرون «١» عن بعض علماء التابعين مثل قتادة ومقاتل أن حكم الآية الثانية قد نسخ بآيات القتال، وهذا القول قد تكرر في مناسبات مماثلة كثيرة سبقت أمثلة منها. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن النسخ قد يصح بالنسبة إلى الأعداء المعتدين على المسلمين والصادين عن الدعوة والطاعنين بالدين الإسلامي. أما الموادّون والمسالمون للمسلمين فالتعامل معهم في نطاق الصفح والسلام وتركهم وشأنهم بعد الدعوة وبيان هدى الله فهو محكم على ما أوردنا دلائله في سياق سورة (الكافرون) والله تعالى أعلم.

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.


الصفحة التالية
Icon