الله إنما جعل التفاوت بين الناس امتحانا ليعلم تصرفهم إزاء بعضهم وهو الأعلم بالصالحين للهداية الشاكرين لنعمة الله بها.
وفي الآية الرابعة أمر رباني للنبي ﷺ بالبرّ بالمؤمنين حينما يقبلون عليه فيحييهم ويبشرهم بأن ربهم آلى على نفسه بمقتضى صفة الرحمة التي اتصف بها أنه من عمل منهم عملا سيئا وهو جاهل ثم ندم عليه وتاب منه وعمل صالحا يكون موضع غفرانه ورحمته.
وفي الآية الخامسة تقرير رباني بأن الله تعالى يفصل الآيات حتى يعرف السبيل التي يختار سلوكها المجرمون بوضوح.
والآيات وحدة مترابطة الأجزاء، والآية الأخيرة التي جاءت بمثابة التعقيب قرينة على ذلك، وهي غير منقطعة عن السياق. فبعد أن جودل الكفار وأفحموا وأنذروا جاءت هذه الآيات ملتفتة إلى الذين آمنوا بالرسالة المحمدية لتقرر أنهم هم الذين يمكن أن ينتفعوا بالموعظة والإنذار القرآني لما ثبت من حسن نيتهم وصفاء نفوسهم وصدق رغبتهم في الاهتداء، ولتأمر النبي ﷺ بالتمسك بهم وإغداق عطفه عليهم وتبشيرهم برحمة الله وعفوه وبعدم المبالاة بموقف الكفار وبخاصة الزعماء منهم.
تعليق على الآية وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ والآيات الخمس التالية لها وما فيها من صور وتلقين
لقد روى المفسرون في صدد هذه الآيات روايات عديدة «١» جاء في بعضها أن زعماء الكفار كانوا إذا مروا بالنبي ﷺ وحوله فقراء المسلمين سخروا وقالوا هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا فهداهم. وفي بعضها أنهم طلبوا من النبي طردهم حتى يتبعوه أو طردهم إذا ما جلسوا إليه أو أرادوا الاجتماع به. وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم

(١) الطبري أكثرهم استيعابا للروايات.


الصفحة التالية
Icon