استوحش فسافر إلى الطائف لدعوة أهلها إلى الله وطلب النصرة منهم فلقي جفاء وتعرض لسفهاء القوم الذين سبّوه ورشقوه بالحجارة حتى أدموه، فقال: «اللهمّ إني أشكو إليك ضعف قوّتي وقلة حيلتي وهواني على الناس فأنت رؤوف وأنت أرحم الراحمين وأنت ربّ المستضعفين وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني أو إلى عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلّا بك». ثم غادر الطائف يائسا حزينا حتى إذا بلغ نخلة قام في جوف الليل يصلّي مرّ به نفر من الجن فسمعوا القرآن فآمنوا وذهبوا إلى قومهم ينذرونهم ويدعونهم فنزلت الآيات بخبر ذلك «١». وسألوه الزاد فقال: «كلّ عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما، وكلّ بعرة أو روثة علف لدوابكم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم الجنّ» «٢».
ومنها حديثان رواهما البخاري جاء في أحدهما: «قيل لعبد الله من آذن النبيّ ﷺ بالجنّ ليلة استمعوا القرآن؟ قال: آذنت بهم شجرة» «٣». وجاء في ثانيهما: «قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما بال العظم والرّوث لا يستنجى بهما؟ قال: هما من طعام الجنّ وإنّه قد أتاني وفد جنّ نصيبين ونعم الجنّ فسألوني الزاد فدعوت الله لهم ألّا يمرّوا بعظم ولا بروثة إلّا وجدوا عليه طعاما» «٤». ومنها حديث عن قتادة رواه الطبري جاء فيه:
«إن النبي ﷺ قال: إني أمرت أن أقرأ القرآن على الجنّ فأيّكم يتبعني؟ فأطرقوا، ثم استتبعهم فأطرقوا، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا. فاتبعه عبد الله بن مسعود فدخل رسول الله شعبا يقال له الحجون وخطّ على عبد الله خطا ليثبته به قال ابن مسعود:

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الخازن والبغوي، وانظر أيضا سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٩- ٣١.
(٢) انظر التاج ج ٤ ص ٢٠٨- ٢٠٩. [.....]
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المصدر نفسه.


الصفحة التالية
Icon