ولقد روى الطبري عن محمد بن سيرين «أنّ رسول الله ﷺ كان إذا صلّى نظر إلى السماء فأنزلت الآية الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فجعل بعد ذلك وجهه حيث يسجد». وروى عن ابن سيرين أيضا هذا عن أصحاب رسول الله ونصّ الرواية «أنّ أصحاب رسول الله كانوا يرفعون أبصارهم في الصلاة إلى السماء حتى نزلت قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فجعلوا رؤوسهم بعد ذلك نحو الأرض» وهذه الروايات لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكنها محتملة الصحّة.
ولقد تعددت التعريفات التي أوردها أو رواها المفسرون للخشوع منها أنه خشوع القلب والأطراف. ومنها أنه التذلل والخضوع. ومنها أنه الاستشعار بالخوف والتواضع. ومنها أنه غضّ البصر وعدم الحركة والتلفّت. وكلّ من هذه الأقوال واردة ووجيهة. ولقد أورد البغوي بعض الأحاديث النبوية في هذا الصدد منها حديث عن عائشة (رض) قالت: «سألت رسول الله ﷺ عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». وحديث عن أبي ذرّ (رض) قال: «قال النبيّ ﷺ لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه». وحديث عن أنس بن مالك قال: «قال النبيّ ﷺ ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتدّ قوله حتى قال لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم». وحديث لم يذكر راويه جاء فيه: «أنّ النبيّ ﷺ أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه».
وحديث عن أبي ذرّ قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإنّ الرحمة تواجهه».
وجميع التعريفات الواردة وجيهة. والأحاديث وإن لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة فإن عبارتها وروحها تجعل احتمال صحتها قوية. ولقد روى أصحاب السنن حديثا فيه تأييد عن الفضل بن عباس عن النبيّ ﷺ قال: «الصلاة مثنى مثنى. تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع وتضرّع وتمسكن وتقنع يديك يقول ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول يا ربّ يا ربّ ومن لم يفعل فهي