ومن الجدير بالتنبيه على كل حال أن آيات القصة والتعليق عليها قد جاءت بالأسلوب الذي امتاز به القصص القرآني وتوخى فيها الموعظة والتذكير وتدعيم الدعوة النبوية مما هو من مميزات هذا الأسلوب، ومما ينطوي فيه حكمة الإيحاء بما أوحى به من صورها.
فهناك تماثل بين الفتية المؤمنين وقومهم المشركين وبين النبي ﷺ والمؤمنين معه الذين كان عدد كبير منهم من شبان قريش الذين كان آباؤهم مشركين مناوئين للدعوة المحمدية وكانوا يتعرضون لأذى آبائهم واضطهادهم بقصد ردهم إلى الشرك بعد الإيمان، والبعث والنشور والجزاء الأخروي من أهم ما كان يثير الجدل بين النبي ﷺ والمشركين. والقصة قد احتوت خبرا فيه آية من آيات الله تتصل ببعض مشاهد البعث بعد الموت في واقعة شوهدت من قبل جمهور عظيم من الناس وتنوقلت أخبارها العجيبة.
وفي كل هذا مواضع للعبرة والتطمين والأسوة والإنذار والتدعيم كما هو واضح، ويلفت النظر بخاصة إلى الآية [٢١] حيث احتوت إشارة إلى أن العثور على الفتية بعد أن استيقظوا وماتوا كان وسيلة لجعل الناس يتيقنون بأن وعد الله حقّ وأن الساعة آتية لا ريب فيها مما هو متصل بما نقرره.
كذلك يلفت النظر إلى أن الآيات الأولى من السورة حملت على الذين يقولون إن لله ولدا وإن هذه القصة النصرانية التي جاءت على أثرها تقرر أن الفتية كانوا يؤمنون بالله وحده وأن هذا الإيمان هو الذي جعلهم موضع عناية الله ورحمته. فقد يلهم هذا وجود صلة بين آيات القصة ومطلع السورة ويلهم أنها قد توخّي فيها التدعيم للدعوة النبوية. وبخاصة التوحيد الذي لا شائبة فيه ولا تأويل، ومن الجدير بالذكر أن الخلاف كان مستشريا بين فرق النصارى منذ القرن الميلادي الأول حول المسيح حيث كان بعضهم لا يسوّي بين المسيح والله ولا يعتقد ببنوته الطبيعية له كما كان يعتقدها بعضهم، وبعضهم يعتبره بشرا مرسلا من الله ولد بمعجزة وبعضهم يعتبره رمزا لله وحسب على ما شرحناه وأوردنا شواهده ومصادره


الصفحة التالية
Icon