مع بقائهم على شركهم. وهذا يسوغ القول إن الجملة المذكورة تعني (حتى تنتهي حالة الحرب بإسلام الكفار الذين كانت بينهم وبين المسلمين حالة عداء وحرب أو التصالح معهم ووقوف حالة الحرب بينهم وبين المسلمين ولو بقوا مشركين.
وقياسا على هذا القول الذي نرجو أن يكون هو الصواب فيمكن القول إنه يشمل كل حالة حرب تكون بين المسلمين والأعداء المستحقين للقتال من الكفار كما هو المتبادر. ولقد أورد البغوي قولا للكلبي لجملة حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها إنها بمعنى حتى يسلموا أو يسالموا وقولا للفراء إنها بمعنى حتى لا يبقى إلّا مسلم أو مسالم. والتأويلان يدعمان تأويلنا كما هو واضح.
وجملة فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً صريحة في أنها تجعل للمسلمين الخيار في الأسرى الذين يأسرونهم من الكفار بعد أن تنتهي حالة الحرب بأحد الشكلين السابقين بين المنّ والتسريح بدون فداء، والتسريح بالفداء. وصاحب الخيار هو ولي أمر المسلمين بطبيعة الحال.
وهذه هي المرة الثالثة التي يرد فيها حكم قرآني في صدد أسرى الأعداء.
وكانت المرة الأولى في آيات الأنفال [٦٧- ٦٩] أما آية سورة الأحزاب [٢٦] فإنها لم تحتو على حكم قرآني وإنما احتوت على حكاية ما فعله المسلمون ببني قريظة حكاية قد تنطوي على إقرار ذلك. ولسنا نرى تناقضا أو تعارضا بين آيات الأنفال والآية الرابعة التي نحن في صددها فآيات الأنفال تنبه على أنه لم يكن من مصلحة الإسلام والمسلمين أخذ أسرى من الأعداء قبل أن يثخن فيهم ويوقع الرعب في قلوبهم. وهذه الآيات تجيز ذلك في حال تحقق الإثخان والرعب. ويكون كل من آيات السورتين مستمر المدى والتلقين حسب ظروف الأحداث ومصلحة المسلمين العامة وحالة المسلمين والعدو المادية والمعنوية.
ولقد كانت جملة فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً مما تعددت الأقوال في حكمها ومداها في كتب المفسرين «١» عزوا إلى ابن عباس ومجاهد والضحاك والشافعي