يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني. والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف قال فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ [يوسف: ١٨]. ثم تحولت فاضطجعت على فراشي. وأنا أعلم أني بريئة ولكن والله ما كنت أظنّ أن الله منزل في شأني وحيا يتلى. ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى. ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت فو الله ما رام رسول الله ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «١» حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان «٢» من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه فلما سرّي عن رسول الله وهو يضحك فكان أول كلمة تكلّم بها: يا عائشة أمّا الله عز وجل فقد برّأك فقالت أمي قومي إليه «٣». فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عزّ وجلّ.
فأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال في عائشة. وكان ينفق عليه لقرابته منه وفقره فأنزل الله تعالى وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) قال أبو بكر بلى والله إني أحبّ أن يغفر الله لي فرجّع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة وكان رسول الله يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال يا زينب ماذا علمت أو رأيت قالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا. قالت وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك» «٤». وقد روى الترمذي تتمة للقصة عن عائشة قالت «لما نزل عذري قام

(١) من الشدة والجهد.
(٢) الدرّ.
(٣) في رواية الطبري أول كلمة تكلم بها رسول الله أبشري يا عائشة إن الله قد برأك. [.....]
(٤) التاج ج ٤ ص ١٦٦- ١٧١ ولقد أورد الحديث المفسرون بفروق قليلة غير جوهرية. انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.


الصفحة التالية
Icon