روحها ومضمونها يلهمان أنها بالإضافة إلى ما هي بسبيل تقريره- من قبيل المقابلة والتساوق مع الآيات السابقة على ما رجحناه- تعني تلك الفئة الراسخة في إيمانها المخلصة في نصرتها لله ورسوله من أصحاب النبي ﷺ السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم وساروا على سيرتهم والذين لم يعد يؤثر في إيمانهم وإخلاصهم أي اعتبار من قربى ودم ومصلحة دنيوية ومادية لأنها فنيت في الله ودينه وتأييد رسوله. وإنها بالتالي احتوت صورة قوية ساطعة النور لهذه الفئة الكريمة الطاهرة التي التفت حول رسول الله ﷺ وناصرته والتي قام الإسلام وتوطد على أكتافها بالدرجة الأولى بعد الله ورسوله. وهم الذين عنتهم آية التوبة هذه وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [١٠٠] وآية التوبة هذه في اعتبار الصادقين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [١١٩] وحديث رسول الله ﷺ هذا «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» «١». وهذا الحديث «لا تسبّوا أحدا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» «٢».
وهذا الحديث «ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلّا بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة» «٣».
ومع أن أسلوب الآية يلهم أن ما احتوته هو التشديد في النهي عن موادة من حادّ الله ورسوله مطلقا فإن من الممكن أن يلمح فيها شيء من التطور. فالآيات المكية رددت أكثر من مرة وجوب الاستمرار في احترام الوالدين ومعاشرتهما في الدنيا بالمعروف ولو كانا كافرين وعدم إطاعتهما في مسألة الشرك فقط «٤» وفي هذه

(١) روى الأول والثالث الترمذي وروى الثاني الأربعة انظر التاج ج ٣ ص ٢٧٢. [.....]
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) آيات سورة لقمان [١٤، ١٥] والعنكبوت [٨].


الصفحة التالية
Icon