وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فظلوا في ترددهم وترادت رسل أخرى بين قريش والنبي ﷺ في ذلك ثم أرسل النبي ﷺ من جانبه عثمان بن عفان رضي الله عنه ليخبر الناس برغبة النبي ﷺ عن القتال ورغبته في الزيارة وحسب. والظاهر أنه اختاره لقوة عصبيته في مكة حيث يمتّ إلى بني أمية. وقد أبطأ في العودة. وشاع أن قريشا حبسوه أو قتلوه. فدعا النبي ﷺ المسلمين إلى البيعة على الثبات والاستماتة إذا أصرت قريش على البغي. وتمّت البيعة تحت شجرة استظل النبي ﷺ بظلها فسميت بيعة الشجرة. ولم يلبث عثمان أن رجع وإن تمّ رأي قريش على إرسال سهيل بن عمرو أحد زعمائهم لمفاوضة النبي ﷺ على عقد هدنة مزودا بشروط أملتها عليهم الأنفة والحمية الجاهلية. منها تأجيل الزيارة إلى العام القابل. وعدم حملهم في يوم الزيارة إلّا سيوفهم في أغمادها. وإعادة من يأتي إلى النبي ﷺ منهم مسلما برغم أهله. وعدم إعادة من يفرّ من المدينة إلى مكة مرتدا. وقد قبل النبي ﷺ الشروط بعد مفاوضات عديدة حتى كادت في وقت أن تنقطع ويشتبك الفريقان في القتال. بل وحدث شيء من ذلك حيث حاول بعض خيالة قريش وشجعانهم أن يأخذوا النبي والمسلمين أو فريقا منهم على غرة فأرسل النبي ﷺ من كمن في طريقهم وتمكن من أسر فريق منهم ثم أطلق سراحهم إيذانا برغبته عن الشرّ. وانتهت المفاوضات إلى اتفاق على أن تكون مدة الهدنة عشر سنوات وكتب في ذلك عقد ختمه النبي ﷺ بخاتمه ووقّعه سهيل عن قريش. وحينئذ أمر النبي ﷺ بذبح الهدي وحلق الشعر والتحلل من الإحرام ثم آذن بالعودة. وقد روي فيما روي أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو- المفاوض- وقد كان أسلم فحبسه أبوه وقيده- استطاع أن يفرّ ويجيء إلى النبي والمسلمين يرسف في أغلاله حينما درى أنهم في الحديبية. وكان التراضي على الشروط قد تمّ فاحترم النبي ﷺ ما تمّ وردّ أبا جندل إلى أبيه. وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أأردّ إلى المشركين يفتنونني في ديني، فزاد ذلك الناس إلى ما بهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين