تعليق على الآية إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) والآية التي تليها
قرئت ضمائر الأفعال في الآية الثانية بالتاء للمخاطب كما قرئت بالياء للغائب. وقال المفسرون: في الحالة الثانية تكون الآية موجهة إلى الناس. وروح الآية والسياق والمقام يلهم أنها موجهة إلى المسلمين بخاصة. وتكون قراءتها بالتاء هو الأوجه. وهو المشهور. أما ضمير المفعول في أفعال الآية فقيل إنه عائد للرسول ﷺ وقيل إنه عائد لله. ومع أن الضمير يعود للأقرب وهو الرسول فإن فعل وَتُسَبِّحُوهُ يثير إشكالا في صرفه إلى الرسول وقد قال الذين صرفوا الضمائر إلى الرسول إن الكلام ينتهي عند وَتُوَقِّرُوهُ ثم يبدأ من جديد في فقرة وَتُسَبِّحُوهُ وتكون مصروفة إلى الله «١». وفي هذا تكلف فيما نراه. والوجه الذي يتبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله هو أن الضمائر راجعة إلى الله ودينه. والآية الأولى قد تلهم هذا حيث تقرر أن الله إنما أرسل رسوله شاهدا ومبشرا ونذيرا.
والمتبادر أن الآيتين جاءتا على سبيل التعقيب على ما سبق فاحتوتا تقرير واجب النبي ﷺ وواجب المسلمين. وكلاهما كان موضوع خطاب في الآيات السابقة. وهذا ما يسوغ القول إنهما استمرار للسياق. وقد استهدفتا كما تلهم روحهما وبخاصة الآية الثانية منهما توكيد واجب المسلمين بنصرة دين الله ورسوله والخضوع لأوامرهما والوقوف عنده وتوكيد كون الله إنما أرسل رسوله شاهدا عليهم ومبشرا ونذيرا لهم وأن ما فعله قد فعله بإلهام الله تعالى ووحيه.
ولقد وردت جملة مماثلة للجملة الأولى في سورة الأحزاب. وقد جاءت بعد مسألة زواج النبي ﷺ بمطلقة ابنه بالتبنّي التي ذكرنا احتمال وقوع تشويش واستغراب في صددها فأريد بالآية التنبيه إلى عظم قدر النبي وكونه المبشر المنذر من الله ووجوب التسليم بما ينقله بإلهام الله ومقتضى حكمته. وجاءت هنا في مناسبة ما ثار في نفوس المؤمنين من مضض من شروط الحديبية فاقتضت الحكمة

(١) انظر الطبري والبغوي والزمخشري والطبرسي. [.....]


الصفحة التالية
Icon