ميثاق صلح وسلام دون خضوع وجزية وبعد عداء وقتال أو بدون قتال مثل ما صارت الحالة بين النبي ﷺ وبين قريش نتيجة صلح الحديبية وقبائل أخرى مما ذكرته الروايات «١». وهي كذلك غير طبقة الذين يدخلون في ذمة المسلمين وحكمهم وحمايتهم ويؤدون إليهم الجزية سواء أكان ذلك نتيجة قتال أم لا. مثل ما كان بين النبي ﷺ ونصارى نجران والمدن اليهودية والنصرانية في مشارف الشام مما ذكرته الروايات كذلك «٢». أي الطبقة التي تكفّ ألسنتها وأيديها عن المسلمين ودينهم وتقف منهم موقف الحياد والمسالمة أو المودة بدون ميثاق مكتوب.
وفيهما دلالة على عدم وجاهة القول بعدم قبول شيء غير الإسلام أو القتل من مشركي العرب. وبعدم قبول شيء غير الإسلام أو الجزية من أهل الكتاب. وعلى عدم وجاهة القول بإيجاب محاربة غير المسلمين مع إطلاق القول حتى يسلموا.
فالقتال والعداء كما قررنا وذكرنا في مناسبات عديدة سابقة استلهاما من آيات عديدة صريحة أو ملهمة إنما شرعا بالنسبة للبادئين بقتال المسلمين وأذيتهم وفتنتهم أو الصادين عن سبيل الله ودينه أو من يساعد على ذلك ثم لمن ينكث عهده مع المسلمين ويتحول من موقف المعاهد إلى موقف العدو. ومع هؤلاء ينتهي الأمر بالإسلام أو المعاهدة أو الجزية فقط. وطبيعي أنه ليس كل غير مسلم يكون قد آذى المسلمين وقاتلهم واعتدى عليهم وصدّ عن سبيل الله حيث لا يمكن إلّا أن يكون فئات كثيرة في كل ظرف ومكان لم تفعل ذلك ولم تساعد عليه. فهؤلاء يباح البرّ والإقساط معهم بل يستحسنان. وهذا تشريع عام محكم ومستمر وشامل وفيه من الروعة والجلال ما يغني عن الإطناب. ومما يزيد في روعته وجلاله أن الآيات مطلقة لا تشترط بدءا من غير المسلمين في البر والإقساط والموادة. فيكفي من غير المسلم أن يكون مسالما غير مؤذ بلسانه أو يده مباشرة أو غير مباشرة ليكون موضع برّ المسلم ومودته وقسطه. والأمثلة على ذلك كثيرة في السيرة النبوية وعن الخلفاء الراشدين. فلم يقاتلوا ولم يأمروا بقتال غير الأعداء الذين يقاتلونهم وتركوا وأمروا
(٢) ابن سعد ج ٢ ص ٤١ وما بعدها وج ٣ ص ٧٠. [.....]