النعمان بن بشير أنه كان في نفر من أصحاب رسول الله ﷺ عند منبر رسول الله في يوم جمعة فقال رجل منهم ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلّا أن أسقي الحاج، وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله فاستفتيته فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ الآية. وروي أن المسلمين أقبلوا يوم بدر يعيرون الأسرى من المشركين وفيهم العباس عمّ النبيّ ﷺ فقال: لئن سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني (الأسير) فأنزل الله أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ الآية. وروي أنها نزلت في العباس وعليّ وطلحة بن شيبة حيث اجتمع ثلاثتهم فقال الأول: أنا أفضلكم أنا أسقي حجاج بيت الله، وقال طلحة: أنا أعمر مسجد الله، وقال عليّ: أنا هاجرت مع رسول الله وأجاهد معه في سبيل الله، فأنزل الله الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً. وروى الطبرسي أن عليّا قال لعمّه العباس: ألا تهاجر وتلحق برسول الله، فقال: ألست في أفضل من الهجرة أعمر المسجد الحرام وأسقي حاج بيت الله فنزلت أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ....
والآيتان الأولى والثانية تنفيان حقّ المشركين وأهليتهم لعمارة مساجد الله وتقرران كون هذا الحقّ والأهلية هما للذين آمنوا بالله واليوم الآخر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ولم يخشوا إلّا الله، حيث يلهم هذا أن أصل المفاضلة لم يكن بين مؤمنين فيما بينهم وإنما كان في صدد نفي صلاحية المشركين وحقهم في عمارة مساجد الله التي منها المسجد الحرام. فاحتوت الآية الأولى ردّا على ذلك وقررت الثانية أن المؤمنين هم الأولى به. وهذا يلحظ أيضا في الآيات الأربع التالية للآيتين لأنها تندد بجعل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام في درجة الإيمان بالله والجهاد في سبيله حيث يفيد هذا أن مؤمنين قالوا ذلك وأن المفاضلة ليست بالنسبة لمؤمنين يقومون بالمهمتين ولكنها بالنسبة لمشركين يقومون بهما لأنه ليس من


الصفحة التالية
Icon