محلّ للمفاضلة لو كان هؤلاء من المؤمنين. وهذا يسوغ القول إن الروايات التي تذكر المفاضلة أو المفاخرة بين مؤمنين فيما هو الأفضل لا تنطبق تماما على مدى الآيات. وكذلك الروايات التي تذكر أقوال العباس في بدر أو لعليّ بن أبي طالب لا تنطبق. لأنه ليس فيها نسبة ذلك القول إلى مؤمنين. وهذا فضلا عن أن بعض الروايات يفيد أن الآيات نزلت قبل فتح مكة مع أن السياق جميعه هو بعد هذا الفتح.
ولقد تبادر لنا احتمالات أخرى يمكن أن تنطبق على هذه الآيات أكثر. منها أن يكون وقع جدل بين مؤمنين حول ما إذا كان للذين كانوا يقومون بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وهم على شركهم ثواب ومنزلة عند الله على اعتبار أنهم كانوا يخدمون بيته وحجاجه. فسئل رسول الله عن ذلك فنزلت الآيات للردّ والبيان وجاءت الآيتان الأوليان منها كمقدمة عامة الشمول. ومنها أن تكون حكمة التنزيل اقتضت الإيحاء بها لتبرير منع المشركين من دخول المسجد الحرام الذي كان روي أنه كان مما أمر النبي ﷺ بإعلان يوم الحج الأكبر ونودي به على ما ذكرناه في سياق شرح الآية الثالثة من السورة. ولعل بعض المؤمنين القرشيين أو غيرهم جادلوا في أمر منع المشركين من الدخول إلى المسجد الحرام ونوهوا بما كان يقوم به بعضهم من خدمات للمسجد الحرام وللحجاج. أو بما كان يعود على أهل هذا المسجد من الزوار المشركين من فوائد. ولقد أمرت الآية [٢٨] من هذه السورة التي تأتي بعد قليل منع المشركين من دخول المسجد الحرام بأسلوب تشريعي حاسم. وعلّلت ذلك بأنهم رجس. وطمأنت المسلمين بأنهم إذا كانوا يخشون سوء الحالة الاقتصادية والمعاشية بسبب ذلك فإن الله كفيل بإغنائهم عنهم إن شاء حيث تبدو صلة ما بين هذه الآية والآيات التي نحن في صددها وحيث قضت الحكمة الإيحاء بها بسبيل ذلك ولتدعيم ذلك الإعلان الذي أمر به النبي ﷺ يوم الحج الأكبر. والله أعلم.
وبهذا البيان تبدو الصلة الموضوعية والظرفية واضحة بين هذه الآيات والسياق السابق مهما بدا عليها أنها فصل جديد.