ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية [١٨] حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان». وحديثا آخر عن أنس عن النبي ﷺ قال: «إنما عمّار المساجد هم أهل الله». والحديث الأول رواه الترمذي أيضا بزيادة في آخره وهي «قال الله تعالى إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» «١» والحديثان متساوقان في التنويه والتلقين مع الآية الكريمة كما هو واضح.
والآيات في حدّ ذاتها مطلقة العبارة وعامة الهدف والتقرير. وما احتوته متسق مع ما تكرر تقريره في القرآن كثيرا من أن الإيمان بالله واليوم الآخر والأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله كالهجرة والجهاد بالمال والنفس في سبيله هي التي تستحق رضاء الله وتدل على الإخلاص له. وإن كل خدمة أو عمل مع الشرك بالله حابط عند الله وإنه لا يصحّ مهما عظم في الأذهان والعرف أن يقاس مع الإيمان بالله والإخلاص له والجهاد في سبيله أو يكون في منزلته. وواضح أن هذه التقريرات المتكررة بالأساليب المتنوعة تستهدف فيما تستهدفه تدعيم الدعوة إلى سبيل الله والإخلاص له وحده في كل عمل وقول. والتنويه بمن ينضوي إليها ويخلص فيها ويجاهد في سبيلها وما له عند الله من عظيم المنزلة والأجر.
هذا، ومع أن ذكر السقاية والعمارة لم يقصد به مدلولهما الخاص فقط وإنما قصد به الجنس وهو خدمة المسجد الحرام وحجاجه كما تلهم روح الآيات فإن في ورود الكلمتين توكيدا وتأييدا لما روته الروايات العربية «٢» من وجود مناصب ومهمات عامة في مكة قبل الإسلام ظلت إلى الفتح الإسلامي. وكان يقوم عليها زعماء البيوتات القرشية الرفيعة. وقد كانت السقاية في زمن النبي ﷺ في عهدة عمّه العباس بن عبد المطلب والحجابة أو مفتاح البيت في عهدة طلحة بن
(٢) انظر مروج الذهب للمسعودي ج ١ ص ٣٥٨ وما بعدها وج ٢ ص ١٦٤ وما بعدها وج ٣ ص ٣٦٦ وما بعدها وطبقات ابن سعد ج ١ ص ٤٦ وما بعدها وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٤ وما بعدها، وتاريخ العرب قبل الإسلام- جواد علي ج ٤ ص ١٨٧ وما بعدها. [.....]