وقال له إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر. ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه.
أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها والآخرة شرّ من الأولى ثم قال يا أبا مويهبة. إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فقال أبو مويهبة بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة.
ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف فبدأ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه. ولقد خرج في بعض مرضه عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر فصلّى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر من الصلاة عليهم. ثم قال: يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيرا فإنّ الناس يزيدون وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد وإنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها فأحسنوا إلى محسنيهم وتجاوزوا عن مسيئيهم. ثم قال أيها الناس: إن عبدا من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وما عنده فاختار ما عنده، ففهمها أبو بكر فبكى وقال بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال على رسلك يا أبا بكر ثم قال انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدّوها إلّا باب أبي بكر فإني لا أعلم أحدا كان أفضل من الصحبة عندي يدا منه. وإني لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده «١».
ولما اشتد برسول الله الوجع وجاء بلال يدعوه إلى الصلاة فقال مروا من يصلي بالناس فخرج فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا فقلت قم يا عمر فصلّ بالناس فقام فلما كبّر سمع رسول الله ﷺ صوته وكان رجلا مجهرا فقال فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون. يأبى الله ذلك والمسلمون. ثم بعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر الصلاة فصلّى بالناس. وكان النبي ﷺ قد هيأ جيشا وعين لقيادته أسامة بن زيد ليذهب إلى مؤتة في البلقاء لينتقم لجيش ذهب بقيادة أبي أسامة في

(١) ورد معظم ما أوردناه من خطبة رسول الله وبكاء أبي بكر وكلامه وردّ النبي عليه في حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي سعيد وأوردناه في سياق تفسير الآية [٤٠] من سورة التوبة. انظر التاج ج ٣ ص ٢٧٣.


الصفحة التالية
Icon