السنة السابعة الهجرية واستشهد أبوه مع عدد من المسلمين فاستبطأ حركة سير الجيش وسمع أن بعض الناس ينتقدون قيادة أسامة لأنه لا يزال فتى يافعا. فخرج مرة أخرى عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس أنفذوا بعث أسامة. فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله. وإنه لخليق بالإمارة. وإن كان أبوه لخليقا بها ووصف له بعضهم دواء يسقونه إياه وهو غائب عن وعيه من الحمّى فقال عمّه لألدنّه (أي لأسقينه الدواء بالقوة) فلدّوه فلما أفاق قال من صنع بي هذا قالوا عمك. فقال العباس هذا دواء أتى به نساء جئن من الحبشة. قال ولم فعلتم ذلك؟ فقال عمّه خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب. فقال إن ذلك لداء ما كان الله ليقذفني به. لا يبق في البيت أحد إلّا لدّ إلّا عمي فلدّوا عقوبة لهم بما صنعوا به. وفي يوم الاثنين الذي قبض فيه خرج إلى الناس وهم يصلّون الصبح بإمامة أبي بكر فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم حين رأوه فرحا به فتبسم صلوات الله عليه فرحا من هيئتهم في صلاتهم. وتفرجوا له (أوسعوا له) فأشار أن اثبتوا. وشعر أبو بكر بالحركة فعرف أنه النبي ﷺ فأراد أن يتأخر له فأشار له أن يبقى ثم صلى جالسا إلى جانبه وقال أنس راوي هذا إنه لم ير رسول الله أحسن هيئة منه في تلك الساعة وقد أقبل على الناس يكلمهم بصوت مرتفع فقال: «يا أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم. وإني والله ما تمسكون علي بشيء. إني لم أحلّ إلّا ما أحلّ القرآن.
ولم أحرّم إلّا ما حرّم القرآن» وقد اطمأن أبو بكر واستأذنه بالذهاب إلى بيته في محلة السنح قائلا له إني أراك بفضل الله ونعمته قد أصبحت بخير فأذن له. غير أن الضحاء لم يكد يشتد حتى توفاه الله.
ومما رواه ابن هشام متسلسلا إلى عائشة أنها قالت «كان آخر عهد لرسول الله ﷺ أن لا يترك بجزيرة العرب دينان. وآخر كلمة سمعتها منه لما حضرته الوفاة قوله «بل الرفيق الأعلى» قالت ففهمت أن الله تعالى خيّره فاختاره لأنه كان يقول إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيّره. وما كان إلّا أن يختار الله علينا. وكان آخر ما فعله أنه رأى عود أراك في يد قريب لعائشة فنظر إليه فعرفت أنه يحبّ أن يستنّ فمضغته