السلام كان قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَمَا صَدَمَهُ الْكَلْبُ أَوْ غَمَّهُ بِثِقَلِهِ لَيْسَ مِمَّا أَنْهَرَ دَمَهُ، فَلَا يَحِلُّ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مِنْ هذا القبيل بشيء، لأنهم إنما سألوه عن الآلة التي يذكى بها، ولم يسألوه عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي يُذَكَّى، وَلِهَذَا اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ حَيْثُ قَالَ: «لَيْسَ السِّنُّ والظفر وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى «١» الْحَبَشَةِ» وَالْمُسْتَثْنَى يَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا، فدل على أن المسؤول عَنْهُ هُوَ الْآلَةُ، فَلَا يَبْقَى فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا ذَكَرْتُمْ، فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَا يُشْكِلُ عَلَيْكُمْ أَيْضًا، حَيْثُ يَقُولُ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ»، وَلَمْ يَقُلْ:
فَاذْبَحُوا بِهِ، فَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحُكْمَانِ مَعًا، يُؤْخَذُ حُكْمُ الْآلَةِ الَّتِي يُذَكَّى بِهَا، وَحُكْمُ الْمُذَكَّى وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِنْهَارِ دَمِهِ بِآلَةٍ لَيْسَتْ سِنًّا وَلَا ظُفُرًا، هَذَا مَسْلَكٌ.
وَالْمَسْلَكُ الثَّانِي: طَرِيقَةُ الْمُزَنِّي، وَهِيَ أَنَّ السَّهْمَ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِيهِ بِأَنَّهُ إِنْ قَتَلَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ خَزَقَ فَكُلْ، وَالْكَلْبُ جَاءَ مُطْلَقًا، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا قَيَّدَ هُنَاكَ مِنَ الْخَزْقِ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْمُوجَبِ وَهُوَ الصَّيْدُ فَيَجِبُ الْحَمْلُ هُنَا وَإِنِ اخْتَلَفَ السَّبَبُ كَمَا وَجَبَ حَمْلُ مُطْلَقِ الْإِعْتَاقِ فِي الظِّهَارِ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْإِيمَانِ فِي الْقَتْلِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى، وَهَذَا يَتَوَجَّهُ لَهُ عَلَى مَنْ يَسْلَمُ لَهُ أَصْلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَلَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ قَاطِبَةً، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ جَوَابٍ عَنْ هَذَا، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ بِثِقَلِهِ، فَلَمْ يَحِلَّ قِيَاسًا عَلَى مَا قَتَلَهُ السَّهْمُ بِعَرْضِهِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آلَةٌ لِلصَّيْدِ، وَقَدْ مَاتَ بِثِقْلِهِ فِيهِمَا، وَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِعُمُومِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُمُومِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ، وَهَذَا مَسْلَكٌ حَسَنٌ أَيْضًا.
مَسْلَكٌ آخَرُ- وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ عَامٌّ فِيمَا قَتَلْنَ بِجُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ هَذَا الْمَقْتُولَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَطِيحًا أَوْ فِي حُكْمِهِ، أَوْ مُنْخَنِقًا أَوْ فِي حُكْمِهِ، وأيا ما كان، فيجب تقديم هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تِلْكَ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الشَّارِعَ قَدِ اعْتَبَرَ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ حَالَةَ الصَّيْدِ حَيْثُ يَقُولُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَصَلَ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنِ الْوَقِيذَ مُعْتَبَرٌ حَالَةَ الصَّيْدِ، وَالنَّطِيحَ لَيْسَ مُعْتَبِرًا، فَيَكُونُ الْقَوْلُ بِحِلِّ الْمُتَنَازِعِ فِيهِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ لَا قَائِلَ بِهِ، وَهُوَ مَحْظُورٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. الثَّانِي أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا بِالْإِجْمَاعِ بَلْ مَخْصُوصَةً بِمَا صِدْنَ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ، وَخَرَجَ مِنْ عُمُومِ لَفْظِهَا الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْمَأْكُولِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعُمُومُ الْمَحْفُوظُ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِ الْمَحْفُوظِ.
الْمَسْلَكُ الْآخَرُ- أَنَّ هَذَا الصَّيْدَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ سواء، لأنه قد احتقن فيه الدماء