صَيْدِ الْكَلْبِ «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ» وَرَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُوسَى هُوَ اللَّاحُونِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ هُوَ الطَّاحِيُّ عَنْ أَبِي إِيَاسٍ وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عن سعيد بن المسيب، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ على الصيد فأدركه وقد أكل منه، فيأكل مَا بَقِيَ» ثُمَّ إِنَّ ابْنَ جَرِيرٍ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدَّمُوا حَدِيثَ عَدِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، وَرَامُوا تَضْعِيفَ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَكَلَ بَعْدَ مَا انتظر صاحبه فطال عليه الفصل ولم يجيء، فَأَكَلَ مِنْهُ لِجُوعِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَخْشَى أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَكَلَ مِنْهُ أَوَّلَ وَهْلَةٍ، فَإِنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا الْجَوَارِحُ من الطيور فنص الشافعي على أنها كالكلب، فَيَحْرُمُ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَا يَحْرُمُ عِنْدَ الْآخَرِينَ، وَاخْتَارَ الْمُزَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ الطُّيُورُ وَالْجَوَارِحُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهَا كَمَا يُعَلَّمُ الْكَلْبُ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَا تُعَلَّمُ إِلَّا بِأَكْلِهَا مِنَ الصَّيْدِ فَيُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَالنَّصُّ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْكَلْبِ لَا فِي الطَّيْرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي «الْإِفْصَاحِ» : إِذَا قُلْنَا: يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، فَفِي تَحْرِيمِ مَا أَكَلَ مِنْهُ الطَّيْرُ وَجْهَانِ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا التَّفْرِيعَ وَالتَّرْتِيبَ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُتَرَدِّيَةُ: فَهِيَ الَّتِي تَقَعُ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، فَتَمُوتُ بِذَلِكَ، فَلَا تَحِلُّ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي تَسْقُطُ مِنْ جَبَلٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الَّتِي تَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ الَّتِي تَقَعُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ تَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ «١».
وَأَمَّا النَّطِيحَةُ: فَهِيَ الَّتِي مَاتَتْ بِسَبَبِ نَطْحَ غَيْرِهَا لَهَا، فَهِيَ حَرَامٌ وَإِنْ جَرَحَهَا الْقَرْنُ وَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَوْ مِنْ مَذْبَحِهَا، وَالنَّطِيحَةُ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مُفْعُولَةٍ، أَيْ مَنْطُوحَةٍ، وَأَكْثَرُ مَا تَرِدُ هَذِهِ الْبِنْيَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بدون تاء التأنيث، فيقولون: عين كحيل، وكف خضيب، وَلَا يَقُولُونَ: كَفُّ خَضِيبَةٍ، وَلَا عَيْنُ كَحِيلَةٍ، وَأَمَّا هَذِهِ فَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: إِنَّمَا اسْتَعْمَلَ فِيهَا تَاءَ التَّأْنِيثِ، لِأَنَّهَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: طَرِيقَةٌ طَوِيلَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أُتِيَ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ فِيهَا لِتَدُلَّ عَلَى التَّأْنِيثِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ بِخِلَافِ عَيْنٍ «كَحِيلٍ وَكَفٍّ خَضِيبٍ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ مُسْتَفَادٌ مِنْ أَوَّلِ الكلام «٢».

(١) انظر تفسير الطبري ٤/ ٤٠٩.
(٢) قال بعض نحويي الكوفة: أدخلت الهاء في «النطيحة» لأنها صفة المؤنث لموصوف محذوف. فلو أسقطت منها لم يعرف أهي صفة مؤنث أو مذكر. قال أبو جعفر الطبري: وهذا القول هو أولى بالصواب. (تفسير الطبري ٤/ ٤١٠).


الصفحة التالية
Icon