بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها أَيْ تَحَرَّكَتْ مِنْ أَسْفَلِهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها يَعْنِي أَلْقَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الْحَجُّ: ١] وَكَقَوْلِهِ: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيها وَتَخَلَّتْ [الِانْشِقَاقِ: ٣- ٤].
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تلقي الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُتِلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ رَحِمِي وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا» «١».
وَقَوْلُهُ عز وجل: وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها أَيْ اسْتَنْكَرَ أَمْرَهَا بَعْدَ مَا كَانَتْ قَارَّةً سَاكِنَةً ثَابِتَةً وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ عَلَى ظَهْرِهَا أَيْ تَقَلَّبَتِ الْحَالُ فَصَارَتْ مُتَحَرِّكَةً مُضْطَرِبَةً قَدْ جَاءَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تعالى ما قد أعده لَهَا مِنَ الزِّلْزَالِ الَّذِي لَا مَحِيدَ لَهَا عَنْهُ، ثُمَّ أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَحِينَئِذٍ اسْتَنْكَرَ النَّاسُ أَمْرَهَا وَتَبَدَّلَتِ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لله الواحد القهار.
وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أَيْ تُحَدِّثُ بِمَا عَمِلَ الْعَامِلُونَ عَلَى ظَهْرِهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ:
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنَّ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا» «٣» ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعَ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيَّ أَنَّ رسول الله ﷺ قال: «تحفظوا
(١) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ٢، ٦.
(٢) المسند ٢/ ٣٧٤.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٩٩، باب ١. [.....]


الصفحة التالية
Icon