فصل


وإذا كانت شهادته سبحانه تتضمن بيانه لعباده، ودلالتهم وتعريفهم لما شهد به، وإلا فلو شهد شهادة لم يتمكنوا من العلم بها لم ينتفعوا بها، ولم يقم عليهم بها الحجة، كما أن الشاهد من العباد إذا كانت عنده شهادة، ولم يبينها. بل كتمها: لم ينتفع بها أحد، ولم تقم بها حجة.
وإذا كان لا ينتفع بها إلا ببيانها، فهو سبحانه قد بينها غاية البيان بطرق ثلاثة: السمع، والبصر، والعقل.
أما السمع: فبسمع آياته المتلوة القولية، المتضمنة لإثبات صفات كماله. ونعوت جلاله وعلوه على عرشه فوق سبع سماواته، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لمن يشاء من عباده تكلما وتكليما، حقيقة لا مجازا.
وفي هذا إبطال لقول من قال: إنه لم يرد من عباده ما دلت عليه آياته السمعية: من إثبات معانيها، وحقائقها التي وضعت لها ألفاظها. فإن هذا ضد البيان والأعلام. ويعود على مقصود الشهادة بالإبطال والكتمان. وقد ذم الله من كتم شهادة عنده من الله. وأخبر أنه من أظلم الظالمين.
فإذا كانت عند العبد شهادة من الله تحقق ما جاء به رسوله من أعلام نبوته، وتوحيد مرسله، وأن إبراهيم وأهل بيته كانوا على الإسلام كلهم، وكتم هذه الشهادة- كان من أظلم الظالمين، كما فعله أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليهود الذين كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.
فكيف يظن بالله سبحانه أنه كتم الشهادة الحقّ التي يشهد بها الجهمية والمعتزلة والمعطلة، ولا يشهد بها لنفسه ثم يشهد لنفسه بما يضادها ويناقضها، ولا يجامعها بوجه ما؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
فإن الله سبحانه شهد لنفسه بأنه استوى على العرش، وبأنه القاهر فوق عباده، وبأن ملائكته يخافونه من فوقهم، وأن الملائكة تعرج إليه بالأمر،


الصفحة التالية
Icon