وأكثر من هذا، يحدّث القرآن فى صراحة، أن الإنسان- أي أصله- نبتة من نبات الأرض: «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» (١٧: نوح) ولو كان الإنسان من طينة غير طينة هذه الأرض، لما كان له سبيل إلى الحياة على هذه الأرض والقرار فيها، والانتفاع بموجوداتها، من جماد، ونبات، وحيوان! وليس ذلك بالذي يزرى بالإنسان، أو يحط من قدره، فمن هذا الطين تتخلق أكرم الجواهر، وأنفس المعادن.. من لؤلؤ ومرجان، وذهب، وفضة، وغيرها.. والإنسان هو الذي يضع نفسه حيث يشاء.. إن شاء كان جوهرا كريما، وإن أراد كان طينا لازبا أو حمأ مسنونا أو حجرا صلدا، والله سبحانه وتعالى يقول: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ..»
وصدق رسول الله ﷺ إذ يقول: «الناس معادن، خيارهم فى الجاهلية، حيارهم فى الإسلام».. ففى هذه الكلمة النبوية الجامعة، ما يشير إلى مدلول الآيات القرآنية، التي تتحدث عن خلق آدم، والمادة التي خلق منها، على الوجه الذي قهمناها عليه! يقول الفيلسوف المسلم محمد إقبال فى معرض حديثه عن قصة آدم، كما جاءت فى القرآن الكريم، وفى التوراة.. يقول:
«وهكذا نرى أن قصة هبوط آدم كما جاءت فى القرآن لاصلة بها بظهور الإنسان الأول على هذا الكوكب، وإنما أريد بها- بالأخرى- بيان ارتقاء الإنسان، من بدائية الشهوة الغريزية، إلى الشعور بأن له نفسا حرة قادرة على الشك والعصيان».