وما أغرب تصاريف القدر.. ينجو موسى من القتل.. ثم ها هو ذا يمد يده بالقتل! ومن يدرى؟ فلعل هذا القتيل كان هو الذي انتشل موسى من اليم!! قوله تعالى: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها».. اختلف المفسرون في هذه المدينة، ما هي بين مدن مصر القديمة؟ على أن هذا الخلاف لا يعنينا، وحسبنا أنها مدينة فرعونية، وفي تعريفها، إشارة إلى أنها مدينة المدن، أي العاصمة..
أما كيف دخلها موسى.. وهل كان خارجها حتى يدخلها؟ وإذن فأين كان؟ هل كان قد ترك فرعون، وعاش بعيدا عن عاصمة ملكه؟ قد يكون! كما قد يحتمل أن فرعون كان يعيش في قصره، بعيدا عن المدينة، منعزلا به عن عامة الناس! وعلى أيّ فإن «موسى» قد دخل المدينة دخول من كان بعيدا عنها فترة من الزمن..
وهنا سؤال: لماذا يدخل موسى المدينة في غفلة من أهلها؟ هل كان هناك ما يحول بينه وبين دخولها؟ وهل كان مطلوبا لفرعون أو غيره لجناية جناها؟
يذهب المفسرون في هذا مذاهب شتى، ويلقون بكل ما يمكن أن يفترضه العقل في طلب علة لهذا الدخول المتخفى، تحت غفلة الأعين عنه..
والرأى عندنا- والله أعلم- أن المراد بغفلة أهل المدينة، هو غفلتهم عن موسى، وعن أنه الابن المتبنى لفرعون.. ولعله كان متخفيا ليدارى صفته تلك، حتى لا يلفت إليه الأنظار، التي تتعلق دائما، بالسلطان، وبحاشية السلطان!