وفي أثناء سير موسى في المدينة، وجد فيها رجلين يقتتلان.. أحدهما إسرائيلى «من شيعته» والآخر مصرى «من عدوه».. إذ لا شك أن موسى كان يعرف أنه إسرائيلى، كما لا شك في أنه كان يعرف الإسرائيليين، بسماتهم وبزيهم الذي فرضه فرعون عليهم..
وقد استثار موسى هذا المشهد الذي كان بين المصري والإسرائيلى..
فالإسرائيلى كان تحت يد قاهرة، لعلها كانت يد أحد أصحاب السلطان، التي تلهبه بالسياط.. ولم يطق موسى صبرا على هذا الذي يراه بعينيه، من إنسان يضرب إنسانا في غير مبالاة.. فدخل بين الرجلين، ليدفع عن الإسرائيلى هذه اليد التي تسومه سوء العذاب.. وطبيعى أن يتصدى المصري لموسى، وأن يعدّ ذلك فضولا منه بالتدخل فيما لا يعنيه.. فكان بين الرجلين- موسى والمصري- شدّ وجذب، بل ربما مد المصري يده إلى موسى، «فَوَكَزَهُ مُوسى» أي دفعه بقبضة يده- وهو لا يريد قتله- وإذا الرجل يسقط على الأرض ميتا!! ويتحرك موسى سريعا، ويخلص بنفسه، دون أن يعرف أحد من جنى هذه الجناية ويرجع موسى على نفسه، يلومها أن قتل نفسا يغير نفس، ويرى أن ما فعله لم يكن إلا عملا ما كان له أن يفعله.. إنه «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ.. إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ».. ولا يجد موسى غير الله، يبرأ إليه من نفسه، ويطلب الغفران مما جنت يداه..
«قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَغَفَرَ لَهُ.. إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» إنه وإن يكن قتل «خطأ»، فهو على كل حال ذنب، وذنب عظيم في حق من هو مرشح للنبوة.. ولكن مغفرة الله فوق كل ذنب وإن عظم، لمن تاب، وأخلص التوبة وطلب المغفرة: «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ