فيمن خرج من المشركين لحرب النبي والمسلمين، أمسك به عبد الله بن أبى بكر عن الخروج، إلا أن يقيم كفيلا يؤدى عنه ما خاطر عليه أبا بكر إذا انهزمت الفرس، وغلبت الروم، فأقام كفيلا له.
وهذا يعنى أن الحرب التي بدأت بين الدولتين في سنة ٦٢٢، كانت ما تزال قائمة لم تنته بعد إلى نتيجة حاسمة، أو أنها قد تكون قد انتهت، ولكن أخبارها لم تكن قد وصلت إلى أهل مكة.
وعلى أىّ فإنه لم يكد المسلمون يفرغون من المشركين في معركة بدر، ويأخذون طريقهم إلى المدينة، وفي قلوبهم فرحة النصر، وفي أيديهم ما وقع لهم من مغانم- حتى يلقاهم على طريق المدينة من يخبرهم بما انتهى إليه أمر القتال الذي كان دائرا بين الفرس والروم، وأن الروم قد هزموا الفرس، وأخرجوهم من بيت المقدس، وما استولوا عليه من بلاد الروم، كما استولوا على كثير من مدن فارس وأقاليمها.. وبهذا جاءت فرحة المسلمين بهذا النصر الذي مكن لهم من رقاب المشركين يوم بدر- جاءت هذه الفرحة موقوتة بالوقت الذي نطقت به الآيات في قوله تعالى: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ» أي أن يوم غلبة الروم للفرس، سيكون في هذا اليوم الذي ينتصر فيه المسلمون على المشركين، وتمتلىء قلوبهم فرحة بهذا النصر العظيم.. فالنصر الذي يفرح به المؤمنون حقّا، هو نصرهم على المشركين من أهل مكة، الذين سخروا منهم، وصبّوا عليهم ألوان البلاء، وأخرجوهم من ديارهم.. وهذا هو نصر الله الذي وعدهم به، ووقّت له غلبة الروم للفرس! وهذا هو السرّ- والله أعلم- فى هذا الذي جاء عليه النظم القرآنى، من التعبير عن الصراع بين الفرس والروم بالغلب والتغالب، على حين جاء التعبير عن غلبة المسلمين للمشركين، بكلمة «النصر».. فهو نصر لدين الله،