عادت الآيات، تتحدث عن المشركين، وتضعهم موضع المساءلة مرة أخرى، لتكشف لهم عما هم فيه من سفه وضلال.. وأنهم وقد طولبوا من قبل أن يأتوا بحجة وبرهان على ما يعبدون من دون الله.. إذ يقول سبحانه..
«أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ» ؟.
وأما وقد خلت أيديهم من هذا السلطان المطالبين به، من كتاب سماوى أو رسول إلهى- فقد جاءتهم آيات الله تدعوهم إلى أن يبحثوا عن هذا السلطان في داخل أنفسهم، وأن يدبروا عقولهم- إن كانت لهم عقول- إلى مظاهر الوجود وحقائقه.. فإن في كل مظهر من مظاهره، وفي كل حقيقة من حقائقه، سلطانا، وبرهانا على المعبود الحق الذي يجب أن يعبد..
إنه الله، الذي خلق الخلق ورزقهم، وإنه الله، الذي يميتهم ثم يحييهم.. فهل من معبودات المشركين من يفعل شيئا من ذلك؟ هل من آلهتهم تلك، من له مشاركة في خلقهم؟ وهل من آلهتهم تلك، من له مشاركة في رزقهم؟ وهل تملك آلهتهم تلك، إماتتهم أو بعثهم بعد موتهم؟.
هذه أسئلة ينبغى أن يجيبوا عليها.. فإن كان جوابها إيجابا- وهيهات- كان ذلك حجة لهم، وبرهانا مبينا، يعبدون به تلك الآلهة عليه، ويعطون ولاءهم خالصا لها.. وإن كان الجواب سلبا، وهو- الواقع- فقد سقطت الحجة، وضل البرهان، وكان عليهم أن ينفضوا أيديهم من تلك الآلهة، وأن يجلوها عن عقولهم، وأن يلفظوها من مشاعرهم.. وإلا فهو الضلال والعمى، وهو الضياع، والهلاك..
إنها قضية منطقية.. قامت مقدمتها على فرض، هو: هو أن الألوهية لمن يخلق ويرزق، ويميت ويحيى.. والله هو الذي يخلق ويرزق، ويميت ويحيى.. فهل من معبوداتكم من يفعل شيئا من هذا؟ إنها لا تفعل شيئا..


الصفحة التالية
Icon