وإذن فليس هناك داعية إلى القول بأن هذه الآية مدنية، وبالتالى أنها نزلت فى عبد الله بن سلام أو غيره.. وإن الذي ينظر فى الأحاديث والمرويات، التي ذكرت فى هذا المقام، يرى فيها اختلافا، وتضاربا، بحيث ينقض بعضها بعضها، ويهدم بعضها بعضا مما يجعل مجاوزتها والعدول عنها، أولى من الوقوف عندها، وأخذ شىء منها..
قوله تعالى:
«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ»..
أي ومن الشّبه والضلالات التي أضلت المشركين عن الإيمان بالله والاستجابة للرسول- أن كثيرا من الذين سبقوهم إلى الإيمان بالله، والاستجابة للرسول، كانوا من الفقراء، والمستضعفين، كبلال، وعمار، وصهيب، وغيرهم ممن سبقوا إلى الإسلام.. وهذا عند المشركين من الأدلة الناطقة بأن هذا الذي يدعو إليه محمد، ليس مما تهفو إليه نفوس أصحاب الجاه، والمنزلة.. فى الناس، وأنه لو كان كذلك لما سبق إليه الأرقاء والمستضعفون فيهم وكيف.. وهم السابقون إلى عايات السيادة والمجد، يسبقهم عبيدهم وإماؤهم إلى أمر، ثم يكونون هم وراءهم، يأخذون مكانهم فى الصفوف المتأخرة فيه؟ وإذن فهذا الذي يدعو إليه محمد ليس إلا إفكا مفترى، ولهذا كان المنخدعون به، هم أولئك الأرقاء والأدلاء من بينهم وهكذا تأمرهم أحلامهم، وتسوّل لهم أنفسهم!! قوله تعالى:
«وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ»..


الصفحة التالية
Icon