أما عند الموسيقىّ، فإنه يجد نفسه، وهو يتلو هذه الآيات إنما يتلقى درسا علويا من ينابيع الموسيقى السماوية، فيستفتح اللحن بكلمة «الرحمن» فيعطيها كل ما يمتلىء به صدره من أنفاس الحياة.. ثم يعود فيوزع أنفاسه بين كلمتين، كلمتين، ثم بين ثلاث ثلاث، ثم بين أربع أربع، ثم بين ست كلمات، هى آخر ما يمكن أن يمتد إليه النفس غالبا. ثم يعود ليلتقط أنفاسه، فيوزّعها بين ثلاث كلمات.. ثم يأخذ نفسه مرة أخرى ليوزعه على خمس كلمات..
وهنا يكون النفس قد توازن، وانضبط على حدود معينة، بين ثلاث كلمات، وخمس كلمات، فتلقاه الآية التي ستكرر على امتداد السورة، «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ».. وهى من أربع كلمات، هى وسط بين الثلاث، والخمس!! هذا قليل من كثير لا نهاية له، مما يجده الناظر فى نظم هذا المقطع، الذي بدئت به السورة، والذي جاءت عليه السورة كلها..
أما المعنى الذي وراء هذا النظم، فهو أروع وأعجب.. إنه جامعة معارف، وبحار لآلئ ودرر، لا تزال أبد الدهر تغرى الطالبين لها، الغواصين فى بحارها، ليملئوا أيديهم منها، ويزينوا جيد الزمن بما ينظمون من جواهرها.. وها نحن أولاء نمدّ أبدينا إلى ما يفضل به الله تعالى علينا من فيض كرمه وإحسانه..
قوله تعالى:
«الرَّحْمنُ» هو الله سبحانه وتعالى، المتجلّى بتلك الصفة من صفاته الكريمة،