والتعرف على الله، هو الغاية من خلق الإنسان على تلك الصورة الفريدة، التي امتاز بها عن عالم المخلوقات كلها، والتي استقل بها وحده بحمل الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، والتي بها أيضا استحق أن يكون أولى من الملائكة بخلافة الله على هذه الأرض..
فلمعرفة الله تلك المعرفة القائمة على وعى، وإدراك، وعلى حساب وتقدير- كان خلق الإنسان..
فمعرفة الله، هى العلة، وخلق الإنسان ليقوم بوظيفة هذه المعرفة هو معلول لهذه العلة، والعلة مقدمة على معلولها.. ولهذا قدم قوله تعالى:
«عَلَّمَ الْقُرْآنَ» على قوله تعالى: «خَلَقَ الْإِنْسانَ» وقد «عَلَّمَهُ الْبَيانَ»..
أي خلقه ذا عقل وإدراك..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (٥٦: الذاريات) أي ليعرفونى، ويعبدونى.. وما يشير إليه قوله سبحانه:
«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.. ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» (٣١- ٣٣: البقرة).. فالله سبحانه وتعالى، قد علم آدم: «خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ» أي خلقه قادرا على البيان والإفصاح عن حقائق الأشياء، والتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلال..
ولم يعلّم سبحانه وتعالى الملائكة هذا العلم، ولم يخلقهم على طبيعة