إذا كانت حياته محدودة بهذه الحياة، وكان وجوده منتهيا عندها إلى الفناء الأبدىّ، بعد أن عانى الإنسان فى الحياة الدنيا ماعانى من آلام، وأحزان، وأمراض وشيخوخة، ونقص من الثمرات والأنفس! فالحياة على أية حال، وعلى أية صورة خير من العدم، إنها نعمة تستوجب الحمد والشكران لله رب العالمين، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (٢٨: البقرة).
ففناء الناس وموتهم نعمة، إذ أن هذا الموت- كما قلنا- هو مدخل إلى عالم الخلود، وبقاء الله سبحانه وتعالى، هو مجتمع النعم كلها، إذ أن بقاءه ضمان لوجود هذا الوجود..
فبأى هذه النعم يكذّب الثقلان.. الجن والإنس؟
قوله تعالى:
«يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ»..
أي أن كل من فى السموات والأرض يسأل الله من فضله وإحسانه، سؤال الفقير إلى الغنىّ، والضعيف إلى القوى، ومن لا يملك أي شىء، لمن يملك كل شىء.
فكل من فى السموات والأرض مستمد من فضل الله، سأل أولم يسأل..
فإن لم يسأل بلسانه، فإن علم الله بحاله يغنى عن سؤاله.. وهذه المنن والعطايا التي تعيش فيها المخلوقات، وتحفظ عليها وجودها، هى من عند الله، ومن واسع رحمته، يجود بها عليها، سألت أو لم تسأل.. فالسؤال هنا كناية عن الحاجة، وكل مخلوق فى حاجة أبدا إلى عون الله، وإلى أمداد إنعامه وإحسانه..


الصفحة التالية
Icon