وقوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ»..
الشأن: الأمر، والحال..
أي إن الله سبحانه وتعالى، فى تصريف، وتدبير للخلق، فى كل يوم بل فى كل لحظة.. فذلك شأن المالك فيما ملك، والخالق لما خلق، لا يغفل أبدا عن ملكه، ولا يفتر أبدا عن تدبير شئون خلقه.. «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ» (٤١. فاطر)..
وليس ذلك بالأمر الذي يتكلّف الله سبحانه له جهدا، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.. «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ».. (٢٥٥: البقرة)..
فليس الوجود مجرد آلة تدور على وجه واحد، لا يتغير أبدا، بل هو فى كل آنة من آنات الزمن، بل فى كل فراغ بين الآنة والآنة- إن كان هنا فراغ- هو فى صورة غير الصورة التي كان عليها.. إنه فى تجدّد دائم، وفى حركة دائبة.. يقبدل أثوابا بأثواب، وأحوالا بأحوال.. دون أن يقع فى نظامه خلل أو اضطراب.. وهذا برهان على قدرة الخالق جلّ وعلا، وعلى أن على هذا الوجود إلها قادرا، عالما، حكيما، يغيّر فيه ويبدل كيف يشاء، مع احتفاظه بهذا النظام المحكم البديع.. ولو كان الوجود وجها واحدا لما قام منه شاهد أبدا على أن له مدبّرا يدبره، ويحكم أمره..
وننظر إلى الهرم الأكبر فى مصر مثلا، وهو أعجوبة من عجائب الدنيا، ومعجزة من معجزات الإنسان.. إن بقاءه على تلك الحال فى علوّه وشموخه منذ آلاف السنين، وإن شهد لبانيه بالقدرة، والبراعة، فإن هذا البقاء نفسه على تلك الحال التي قام عليها من أول يومه، هو ذاته شهادة وفاة لهذا الباني البارع،


الصفحة التالية
Icon