ويمكن أن نشبه هذا- مع الفارق البعيد فى صورتى التشبيه- بما يكون من مسجّلة الصوت، حين تلتقط صوتا ما، ثم تعيده كما تلقته، دون أن يقع فيه أي تبديل، أو تحريف..
فالنبى صلوات الله وسلامه عليه، إذ يسمع قوله تعالى له: «قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ..
الآية: (٨٤: آل عمران) - لا يملك أن يبدل حرفا مما سمع، ولا يستطيع إلا أن يقول كما سمع: «قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا.. الآية» والنبي إذ يسمع قوله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ». (١٩٩: الأعراف) - لا يستطيع إلا أن يقول: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ»..
وهكذا يحكى النبىّ ما سمع، دون أن يبدل كلمة، أو يغير حرفا.. والله سبحانه وتعالى يقول له: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» (٦٧: المائدة) فالأمر بالتبليغ، هو أمر بتبليغ ما أنزل إليه، كما هو، كلمة كلمة، وحرفا حرفا.. فإن بدل حرفا، أو غير كلمة- وحاشاه- فما بلّغ ما أنزل إليه من ربه.. إنه المطلوب من النبي فى مقام التبليغ أن يقول ما يقال له من ربه، لأن ما أنزل إليه، سواء أكان خطابا خاصا، أو خطابا عاما للناس- هو منزل للناس أيضا، كما يقول سبحانه: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» (٤٤: النحل) فهو- صلوات الله وسلامه عليه- مطالب أولا بأن يبلّغ الناس ما نزّل