الإسراء، ليس من معطيات الآية الكريمة، من جهة، ولا تستدعيه غاية الإسراء، ولا يحتاج إليها الكمال الذي يجب أن يكون عليه- من جهة أخرى..
فالإسراء، على ما تشهد به الآية- لم يكن- كما أشرنا من قبل- معجزة متحدية، وإنما هو- كما قلنا- رحلة روحية إلى بيت المقدس، مجمع الأنبياء، وأول قبلة للإسلام!!
دواعى هذه الرحلة:
كان الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- قبيل الإسراء، فى وجه خصومة عنيفة ظالمة، من قومه.. يدعوهم إلى الرشاد والخير، فيلقونه بالتكذيب والبهت، وبرمونه بالسّوء والأذى.. وهو رحيم بهم، حريص على هدايتهم، تكاد تذهب نفسه حسرة عليهم، إذ يراهم يتمزقون شعبا، ويتقطعون أوصالا، بين يدى دعوته التي يدعوهم إليها..
وليس حال أدعى من هذه الحال، للخروج من هذا الجوّ الثقيل الخانق، إلى جوّ آخر، فيه راحة للصدر واسترواح للنفس! ولكن: إلى أين المذهب والنبىّ قائم على دعوة السماء، موجه برسالتها؟
إنه لا مفرّ للنبىّ- إن أراد أن يظل فى سجل الأنبياء- من أن يثبت فى موقفه، لا يزايله، ولا يتحول عنه أبدا، وإن هلك! وقد قالها رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه- لعمّه أبى طالب، حين دعاه عمّه إلى أن يترك ما هو فيه، ويلقى قومه بالموادعة، حتى لا تتمزّق وحدة قريش، ويقتل بعضها بعضا، فقال قولته الخالدة: «والله يا عمّ لو وضعوا الشّمس فى يمينى ولقمر فى بسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته، أو أهلك دونه» !