إلى الصميم منها، وما بقي هو أشبه بالتذييل لها، والتعقيب عليها.. ولهذا يقول الرسولان، فى صوت خفيض، وهما يتراجعان إلى الوراء:
«إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى» ! إنه أشبه بالحديث إلى النفس، أكثر منه بالحديث إلى فرعون..! إنهما لا يواجهان فرعون بهذا القول باعتباره مقولا من مقولاتهما، وإنما هو وحي أوحى إليهما به.. وإنهما ناقلان لهذا الوحى.. لا أكثر ولا أقل..
ويدهش فرعون لهذه المفاجأة، التي طلع بها عليه هذان الرسولان، وتضل من وعيه الكلمات التي سمعها، ولا يمسك منها إلا بالكلمة الأولى منها.. «إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ».
ويقلّب هذه الكلمة «ربّك» ويوردها على ذاته الإلهية، فيرى أن الرسولين ينسبانه إلى ربّ.. وهذا هو النكر أعظم النكر؟ أربّ يضاف إلى ربّ؟ إنه إن تكن ثمة إضافة فهو الربّ الأعلى الذي تضاف إليه الأرباب..
وإنه إذا جاز أن يكون للناس رب. فلن يكون له هو رب..
ولهذا اتجه إلى موسى مخاطبا فى تهكم واستنكار..
«قالَ: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى!» إنه لا ينتسب إلى رب، فإذا كان لموسى وهرون رب غير فرعون فليقولا له من هو؟ ولهذا لم يقل فرعون: من ربى هذا؟ بل قال من ربكما أنتما؟
وكان جواب موسى:
«قالَ: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى»..
وفى هذا الجواب، تحدّ لفرعون، وأنه ليس هو ربّا بهذا الادعاء الكاذب الذي يدعيه، ويقبله منه قومه!