وهكذا الموجودات الأرضية لها أسباب تعقبها مسببات بإذن الواحد الأحد، فالزارع يحرث أرضه ويلقى فيها الحب ثم يسقيها ويضع فيها السّماد ويوإلى سقيها حتى تؤتى أكلها، فإذا فقدت حلقة من تلك السلسلة باء صاحب الزرع بالخسران فلم يحصل على شىء أو حصل على القليل التافه الذي لا يعدل التعب والنّصب الذي فعله.
ثم أبان سبحانه أن هذا التدبير للأمور والتفصيل للآيات الدالين على القدرة الكاملة والحكمة الشاملة، جاءا لحكمة اقتضتهما وهى الإيقان بالبعث لفضل القضاء ومجازاة كل عامل بما عمل: «يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه» فإما نعيم مقيم وإما عذاب أليم، وإلى ذلك أشار بقوله:
(لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) أي رجاء أن تتحققوا أن من قدر على رفع السموات بغير عمد ودبر الأمر بإحكام ونظام- قادر على البعث والنشور وإحياء الموتى من القبور لفصل القضاء ثم ثواب كل عامل على ما عمل، إن خيرا فخير وإن شرا فشر فإما سعادة لا شقاء بعدها، وإما نكال وعذاب تتبدل من هوله الجلود «كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها» وخلاصة هذه العبرة- إنه تعالى كما قدر على إبقاء الأجرام الفلكية العظيمة من الشمس والقمر وسائر الكواكب فى الجو بلا عمد ودبّر الأمور بغاية الإحكام والدقة ولم يشغله شأن عن شأن- ليس بالبعيد عليه أن يرد الأرواح إلى الأجساد ويعيد العالم إلى حياة أخرى حياة استقرار وبقاء لافناء بعدها، وإذا أيقنتم بذلك ولّيتم معرضين عن عبادة الأصنام والأوثان، وأخلصتم العبادة للواحد الديان، وائتمرتم بوعده ووعيده، وصدقتم برسله، وبادرتم إلى اتباع أوامره وتركتم ما نهى عنه، ففزتم بسعادة الدارين.
وبعد أن ذكر سبحانه الدلائل السماوية على وحدانيته وكمال قدرته أردفها بالأدلة الأرضية فقال: