والخلاصة- إن مثل هذا الاعتقاد إما أن يكون عن دليل عقلى والعقل لا يركن إليه فى مثل هذا، وإما عن وحي ولم يصل إليهم شىء منه يخبرهم بما يقولون.
ثم أمر رسوله بالإعراض عنهم فقال:
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) أي فأعرض عن مثل هؤلاء الذين أعرضوا عن كتابنا ولم يأخذوا بما فيه مما يوصل إلى سعادتهم فى المعاش والمعاد من المعتقدات الحقة وقصص الأولين المذكّرة بأمور الآخرة وما فيها من نعيم مقيم أو عذاب أليم، واقتصروا على شئون الدنيا ورضوا بزخرفها وجدّوا فى بلوغ أسمى المراتب فيها كما فعل النضر بن الحارث والوليد بن المغيرة وأضرابهما.
والخلاصة- لا تبالغ فى الحرص على هدى من تولى عن ذكرنا وانهمك فى أمور الدنيا، وجعلها منتهى همته، وأقصى أمنيته، وقصارى سعيه، فلا سبيل إلى إيمان مثله، فلا تبخع نفسك على مثله أسفا وحزنا كما قال: «لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».
ثم أكد ما مضى من أن همتهم مقصورة على الحياة الدنيا بقوله:
(ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي إن منتهى علمهم أن يتفهموا شئون الحياة الدنيا، ويتمتعوا باللذات، ويتصرفوا فى التجارات، ليحصلوا على ما يكون لهم فيها من بسطة فى المال، وسعة فى الرزق، ويكونوا ممن يشار إليهم بالبنان، وما به يذكرون لدى الناس، ولا يعنون بما وراء ذلك، فشئون الآخرة دبر أذنهم، ووراء ظهورهم، لا يعرفون منها قبيلا من دبير.
روى أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له»
وفى الدعاء المأثور «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا».