المعنى الجملي
بعد أن حكى مقال المنافقين من أنهم الأعزاء، وأن المؤمنين هم الأذلاء، اغترارا بما لهم من مال ونشب، وأن ذلك هو الذي صدهم عن طاعة الله، وجعلهم يعرضون عن الإيمان بالله إيمانا حقا، ويؤدون فرائضه، ويقومون بما يقربهم من رضوانه أردف ذلك بنهي المؤمنين أن يكونوا مثلهم فى ذلك، بل عليهم أن يلهجوا بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، ويؤدوا ما فرض عليهم من العبادات، ولا يشغلهم عن ذلك زخرف هذه الحياة من مال ونشب وأولاد وجاه، فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل ثم أمرهم أن ينفقوا أموالهم فى أعمال البر والخير ولا يؤخروا ذلك حتى يحل الموت فيندموا حيث لا ينفع الندم، ويتمنوا أن يطيل الله أعمارهم ليعوضوا بعض ما فاتهم، ولكن أنّى لهم ذلك ولكل نفس أجل محدود لا تعدوه، والله خبير بما يعملون، وهو مجازيهم على أعمالهم، إن خيرا وإن شرّا.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) أي لا يشغلكم تدبير أموالكم، والعناية بشؤون أولادكم، عن القيام بحقوق ربكم، وأداء فرائضه التي طلبها منكم، واجعلوا للدنيا حظا من اهتمامكم، وللآخرة مثله، وهذا ما عناه
الحديث: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».
وبهذا امتازت الملة الحنيفية السمحة، فما طلب من المؤمنين أن يكونوا ماديين يتكالبون على جمع حطام الدنيا كما يفعل اليهود، ولا أن يكونوا روحانيين يجردون أنفسهم من لذات هذه الحياة، ويتبتلون إلى ربهم كما يفعل المسيحيون، كما يرشد إلى هذا قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ