الصرفة لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون بالمنع معجزا فى يتضمن الكلام فضيلة على غيره فى نفسه.
وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم إن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به.
ولا بأعجب من قول آخرين: إن العجز وقع منهم، وأما من بعدهم ففى قدرته الإتيان بمثله.
وكل هذا لا يعتدّ به.
وقال قوم: وجه إعجازه ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة، ولم يكن ذلك من شأن العرب.
وقال آخرون: ما تضمنه من الإخبار عن قصص الأولين، وسائر المتقدمين، حكاية من شاهدها وحضرها.
وقال آخرون: ما تضمنه من الإخبار عن الضمائر من غير أن يظهر ذلك بقول أو فعل كقوله: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ.
وقيل: وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد فى كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم. ولهذا لم يمكنهم معارضته.
ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التى أودعوها فى الشعر، لأنه ليس مما يخرق العادة، بل يمكن استدراكه بالعلم والتدريب والتصنع به كقوله الشعر، ووصف الخطب، وصناعة الرسالة، والحذق فى البلاغة، وله طريق تسلك، فأما شأو ونظم القرآن فليس له مثال يحتذى، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا.
ونحن نعتقد أن الإعجاز فى بعض القرآن أظهر وفى بعضه أدقّ وأغمض.
وقيل: وجه الإعجاز الفصاحة وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب.