أنه سبحانه وتعالى سمى جوامع خصال الخير برا في قوله تعالى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة: ١٧٧] الآية. وذكر في هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فالمعنى أنكم وإن أتيتم بكل الخيرات لم تفوزوا بإحراز خصلة البر ولم تبلغوا حقيقتها حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها وتؤثرونها. وكان السلف رحمهم الله إذا أحبوا شيئا جعلوه لله.
يروى أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال: يا رسول الله، حائط لي بالمدينة- يعني بيرحاء- وهو أحب أموالي إليّ صدقة. فقال صلى الله عليه وسلم: بخ بخ. ذاك مال رابح وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: افعل يا رسول الله. فقسمها ﷺ في أقاربه.
وروي أنه ﷺ جعلها بين حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب.
وروي أن زيد بن حارثة جاء عند نزول الآية بفرس له كان يحبه وجعله في سبيل الله، فجعله رسول الله ﷺ لأسامة بن زيد. فوجد زيد في نفسه وقال: إنما أردت أن أتصدق به. فقال صلى الله عليه وسلم: أما إن الله قد قبلها منك.
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى، فلما رآها أعجبته فقال: إن الله تعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فأعتقها ولم يصب منها. ونزل بأبي ذرّ ضيف فقال للراعي: ائتني بخير إبلي. فجاء بناقة مهزولة فقال: خنتني. فقال: وجدت خير الإبل فحلها فذكرت يوم حاجتك إليه. فقال: إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي. وفي تفسير البر قولان: أحدهما ما به يصيرون أبرارا ليدخلوا في قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار: ١٣] فيكون المراد بالبر ما يصدر منهم من الأعمال المقبولة المذكورة في قوله: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ [البقرة: ١٧٧] وجملتها التقوى لقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: ١٧٧] والثاني الجنة أي لن تنالوا ثواب البر. وقيل: المراد بر الله أولياءه وإكرامه إياهم من قول الناس «برني فلان بكذا وبر فلان لا ينقطع عني». وقال تعالى: أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا [البقرة: ٢٢٤] و «من» في قوله: مِمَّا تُحِبُّونَ للتبعيض نحو: أخذت من المال. ويؤيده قراءة عبد الله بن مسعود بعض ما تحبون وفيه أن إنفاق كل المال غير مندوب بل غير جائز لمن يحتاج إليه.
والمراد بما تحبون قال بعضهم: هو نفس المال لقوله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: ٨] وقيل: هو ما يكون محتاجا إليه كقوله: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ [الدهر: ٨] وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: ٩] وقيل: هو أطيب المال وأرفعه كما مر. وعن ابن عباس: أراد به الزكاة أي حتى تخرجوا زكاة أموالكم. ويرد عليه أنه لا يجب على المزكي أن يخرج أشرف أمواله وأكرمها. وقال الحسن: هو كل ما أنفقه المسلم من ماله يطلب به وجه الله. ونقل الواحدي عن مجاهد والكلبي انها منسوخة


الصفحة التالية
Icon