كان منهم بعد وفاتهم وإنما الأمور بخواتيمها. وقال في التفسير الكبير: إن الذي عرفوه منهم في الدنيا كان مبنيا على ظاهر أحوالهم كما قال: نحن نحكم بالظاهر وكان ظنا غالبا والأحكام في الآخرة مبنية على حقائق الأمور وبواطنها فلهذا نفوا العلم فإن الظن لا عبرة به في القيامة مع أن السكوت وتفويض الأمر إلى الأعلم الأعدل أقرب إلى الأدب.
وقرىء عَلَّامُ الْغُيُوبِ بالنصب على أن الكلام قد تم عند قوله أَنْتَ أي أنت الموصوف بالجلال والكبرياء، ثم نصب عَلَّامُ الْغُيُوبِ على الاختصاص أو على النداء. ثم عدّد أنواع نعمه على عيسى عليه السلام واحدة فواحدة تنبيها على أنه عبد وليس بإله وتوبيخا للمتمردين من الأمم، وأولى الأمم بذلك النصارى الطاعنون في ذات الله، سبحانه باتخاذ الصاحبة والولد. وموضع إِذْ قالَ رفع بالابتداء على معنى ذاك إذ قال الله أو نصب بإضمار «اذكر»، أو هو بدل من يَوْمَ يَجْمَعُ وإنما ذكر القول بلفظ الماضي دلالة على قرب القيامة حتى كأنها قد قامت ووقعت كما يقال: الجيش قد أتى إذا قرب إتيانهم، أو ورد على الحكاية كقول الرجل لصاحبه: كأنك بنا وقد دخلنا بلدة كذا فصنعنا كذا. ومحل يا عِيسَى مضموم على أنه منادى مفرد معرفة، أو مفتوح لأنه وصف بابن مضاف إلى علم وهو المختار للتخفيف وكثرة الاستعمال نِعْمَتِي عَلَيْكَ أراد الجمع ووحدت لأنه مضاف يصلح للجنس. وإنما قال وَعَلى والِدَتِكَ لأن النعمة على الولد نعمة على أبويه، ولأن مكارم الأخلاق دليل على طيب الأعراق. إِذْ أَيَّدْتُكَ بدل من نِعْمَتِي أي قوّيتك بِرُوحِ الْقُدُسِ أي بجبريل والقدس هو الله كأنه أضافه إلى نفسه تعظيما له، أو بالروح الطاهرة المقدسة وقد تقدم في البقرة تُكَلِّمُ النَّاسَ حكاية حال ماضية فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا في هاتين الحالتين من غير تفاوت وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ الخط أو جنس الكتب وَالْحِكْمَةَ النظرية والعلمية وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعنى الإحاطة بالأسرار الإلهية بعد العلوم المتداولة فَتَنْفُخُ فِيها الضمير للكاف لا للهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا نفخه في شيء، وكذلك الضمير في فَتَكُونُ والكاف مؤنث بحسب المعنى لدلالتها على الهيئة التي هي كهيئة الطير ومذكر في الظاهر فلهذا عاد الضمير إليه مذكرا تارة كما في آل عمران، ومؤنثا أخرى كما في هذه السورة. وكرر بِإِذْنِي أي بتسهيلي ليعلم أن الكل بأقدار الله تعالى وتمكينه وإظهاره الخوارق على يديه وإلا فهو عبد كسائر عبيده. وَإِذْ كَفَفْتُ يروى أنه لما أظهر هذه المعجزات العجيبة قصد اليهود قتله فخلصه الله تعالى برفعه إلى السماء.
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ من قرأ بغير ألف أشار إلى ما جاء به أو أراد أنه ذو سحر فأطلق عليه الحدث مبالغة، ومن قرأ بالألف أشار إلى الرجل. واللام في بِالْبَيِّناتِ يحتمل أن تكون للجنس ويحتمل أن يراد بها المعجزات المذكورة. وذكر قول الكفار في حقه إِنْ هذا


الصفحة التالية
Icon