إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
يحتمل أن يكون من تمام القصة استطرادا، ويمكن أن يراد بذلك تعداد النعم أيضا لأن كل ذي نعمة محسود، فطعن الكفار فيه يدل على علو شأنه وسموّ مكانه.

وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
ولابتهاجه بهذه النعم الجسام والمنن العظام كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئا لغد يقول مع كل يوم رزقه، لم يكن له بيت فيخرب، ولا ولد فيموت، أينما أمسى بات.
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا إن كانوا أنبياء فظاهر وإلا فالوحي بمعنى الإلهام كقوله وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: ٦٨] وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى [القصص: ٧] وهذا أيضا من جملة النعم لأن كون الإنسان مقبول القول عند الناس محبوبا في قلوبهم من أعظم نعم الله تعالى. وقدم الإيمان على الإسلام ليعلم أنهم آمنوا بقلوبهم.
وانقادوا بظواهرهم هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ من قرأ بالتاء وبالنصب فظاهر والمراد هل تستطيع سؤال ربك أي هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله؟ ومن قرأ بالياء وبالرفع فمشكل لأنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا آمنا فكيف يتصوّر مع الإيمان شك في اقتدار الله تعالى؟ وأجيب بوجوه منها: أن حكاية الإيمان عنهم لا يوجب كمالهم وإخلاصهم في ذلك ولهذا قال لهم عيسى اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ومنها أنهم طلبوا مزيد الإيقان والطمأنينة ولهذا قالوا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا ومنها أنهم أرادوا هل هو جائز في الحكمة أم لا، وهذا على أصول المعتزلة من وجوب رعاية الأصلح، أو أرادوا هل قضي بذلك وعلم وقوعه أم لا، فإن خلاف معلومه غير مقدور وهذا عند الأشاعرة. ومنها قول السدّي إن السين زائدة وكذا التاء أي هل يطيع ربك؟ ومنها لعل المراد بالرب جبريل لأنه كان يربيه. ومنها أن المراد بالاستفهام التقرير كمن يأخذ بيد ضعيف ويقول: هل يقدر السلطان على إشباع هذا؟ يريد أن ذلك أمر جلي لا يجوز للعاقل أن يشك فيه. قال الزجاج: المائدة فاعلة من ماد يميد إذا تحرك فكأنها تميد بما عليها. وذلك أنها لا تسمى مائدة إلا إذا كان عليها طعام فإذا لم يكن عليها طعام فهي خوان. وقال ابن الأنباري: هي من مادة إذا أعطاه كأنها تعطي من تقدم إليه. وقال أبو عبيدة: هي بمعنى «مفعولة» مثل عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الحاقة: ٢١] أي مرضية كأن صاحبها أعطاها الحاضرين. قال عيسى اتَّقُوا اللَّهَ في تعيين المعجزة فإنه كالتحكم. وأيضا اقتراح معجزة بعد ظهور معجزات كثيرة تعنت، أو أمرهم بالتقوى ليتوسلوا بها إلى المطلوب وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: ٢، ٣] فأجاب الحواريون بأنا لا نطلب هذه المعجزة بمجردها ولكنا نريد أن نأكل منها فإن الجوع قد غلب علينا ولا نجد طعاما آخر- يروى أنهم سألوها في مفازة على غير ماء ولا طعام- وأن نزداد


الصفحة التالية
Icon