أهل البيت فَجَعَلُوا يَبْكُونَ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عَبْرَتُهُ، قَالَ: يَا أَهْلاَهُ، مَا يُبْكِيكُمْ، قَالُوا: لاَ نَدْرِي، وَلَكِنْ رَأَيْنَاكَ بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا، فَقَالَ: آيَةٌ نَزَلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم يُنْبِئُنِي فِيهَا رَبِّي أَنِي وَارِدُ النَّارَ، وَلَمْ يُنْبِئْنِي أَنِّي صَادِرٌ عَنْهَا، فَذَلِكَ الَّذِي أبْكَانِي «١». انتهى.
وَقال ابنُ مَسْعُودٍ: ورودُهُمْ/: هو جَوَازُهُمْ على الصراط «٢»، وذلك أنّ الحديث ٦ أالصحيح تضمن أَنَّ الصراط مَضْرُوبٌ على مَتْنِ جهنم.
والحتم: الأمر المنفد المجزوم، والَّذِينَ اتَّقَوْا: معناه اتَّقَوْا الكُفْر وَنَذَرُ دالةٌ على أَنهم كَانُوا فيها.
قال أَبُو عُمَر بنُ عَبْدِ البَرِّ في «التمهيد» بعد أَن ذكر روَاية جابِر، وابنِ مَسْعُودٍ في الوُرُودِ: وروي عن كَعْبٍ أَنه تَلاَ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فقال: أَتَدْرُونَ مَا وُرُودُهَا؟ إنه يُجَاءُ بجهنَّم فتُمْسكُ للناس كأَنها متْن إهَالَة: يعني: الوَدَك الذي يجمد على القِدْر من المرقَةِ، حَتَّى إذا استقرت عليها أَقدَام الخَلائِق: بَرّهم وفاجرهم، نَادَى مُنَادٍ: أَنْ خُذِي أَصْحَابِك، وذَرِي أَصْحَابِي، فيُخْسَفُ بكلِّ وليٍّ لها، فَلَهِيَ أَعلَمُ بهم مِنَ الوَالِدَة بولَدِهَا، وينجو المُؤْمِنُونَ نَدِيَّة ثيابهم «٣».
وروي هذا المعنى عن أَبي نَضْرَةَ، وزاد: وهو معنى قولِه تَعَالَى: فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ [يس: ٦٦]. انتهى.
وقوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً... الآية، هذا افتخارٌ من كفار قريش وأَنه إِنما أَنعم الله عليهم لأَجْلِ أَنهم على الحقِّ بزعمهم. والنَّدِيّ، والنَّادِي: المجْلِسُ، ثم رد الله تعالى حُجَّتَهم وحقَّر أَمْرهم فقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً أيْ: فلم يُغْن ذلك عنهم شَيْئاً «٤»، والأَثَاث: المال العين، والعَرْض «٥» والحيوان.
وقرأَ نافِعٌ «٦» وغيرُه: «ورءيا» بهمزةٍ بعدها ياء من رؤية العين.

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٢٨٢)، وعزاه إلى أحمد، وابن المبارك، كلاهما في «الزهد»، وابن عساكر.
(٢) ذكره ابن عطية (٤/ ٢٧)، وابن كثير (٣/ ١٣٢).
(٣) أخرجه الطبريّ (٨/ ٣٦٥) رقم (٢٣٨٣٨)، وذكره ابن كثير (٣/ ١٣٣).
(٤) سقط في ج، وفي ب شيئا.
(٥) في ج: العروض.
(٦) ينظر: «السبعة» (٤١١، ٤١٢)، و «الحجة» (٥/ ٢٠٩)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٢٣)، و «معاني القراءات» (٢/ ١٣٨)، و «العنوان» (١٢٧)، و «حجة القراءات» (٤٤٦)، و «شرح شعلة» (٤٨٧)، و «إتحاف» (٢/ ٢٣٩).


الصفحة التالية
Icon